لعل هناك الكثير ممن يوجهون اللوم والانتقادات لتشكيلات الجبهة الجنوبية التابعة للجيش السوري الحر والعاملة في الجنوب السوري حول قلة أعمالها العسكرية الجديدة ضد قوات الاسد، وتوجهها لقتال الخلايا المتطرفة هناك، لكن إذا أردنا التمعن بهذه الانتقادات نرى بأنها غير واقعية ويراد بها باطل وتشويه صورة تشكيلات الجبهة الجنوبية، وذلك للعديد من الأسباب:
أولاً: الجبهة الجنوبية حررت 75% من محافظة درعا والقنيطرة، وقدمت آلاف الشهداء، كما أن العمليات العسكرية ضد قوات الاسد لم تتوقف هناك لكن مع إعلان المجتمع الدولي عن فرض هدنة في سوريا أصبح من الواجب على تشكيلات الجبهة الجنوبية على اعتبارها مؤسسة عسكرية منظمة وذات مبادئ وأهداف تابعة للثورة أن تلتزم بالقانون الدولي، وبالتالي تكسب نقطة تضاف إلى صفحة الثورة السورية ضد بشار الأسد الذي يعمل هو وروسيا على تشويه صورة مقاتلي الجيش السوري الحر بأنهم قتلة وهمجيين لا يعترفون بقانون دولي ولا انساني .
ثانياً: وهو الأهم استغلت الجبهة الجنوبية فترة الهدنة من أجل إعادة ترتيب بيتها الداخلي وفرض الأمن والأمان في المنطقة، إلا أن هذا الأمر لا يصب في مصلحة نظام الاسد وداعش، لذا عمل النظام على توجيه رسالته للخلايا المتطرفة في الجنوب بأن تعيث في المنطقة قتلاً وخطفاً وإرهاباً للمواطنين، وكل ذلك من أجل إظهار فصائل الجيش الحر للمجتمع الدولي بأنها فصائل وحشية تضم مجموعة من المرتزقة غير قادرة على إدارة وضبط الأمور في المناطق التي تسيطر عليها، وهنا كان من الواجب محاربة العدو الأخطر للثورة وتطهير المنطقة من التطرف.
ثالثاً: تحاول تشكيلات الجبهة الجنوبية عدم الوقوع في السيناريو الذي حدث في الشمال السوري، من خلال وقوع الثوار هناك بين سندان التطرف ومطرقة النظام، وهذا الأمر سيضعف من قدرات الجبهة الجنوبية ويشتت قوتها في أكثر من اتجاه، وبالتالي يعطي الفرصة لأحد العدوين الغادرين الإسد وداعش بأن يحرز تقدماً على حساب منطقة سيطرة الجيش الحر، لذا عملت فصائل الجبهة الجنوبية على الرد على خروقات قوات الأسد للهدنة، إلى جانب خوض معارك عنيفة ضد الخلايا المتطرفة في منطقة حوض اليرموك والمتمثلة بلواء شهداء اليرموك الإرهابي وحركة المثنى الإرهابية.
رابعاً: تطهير الجنوب السوري من التطرف يعني إعطاء الهيئة العليا للمفاوضات ورقة جديدة تقوي من موقف المعارضة السورية في جنيف، وكل ذلك بعد عمل روسيا على إظهار حليفها الأسد بأنه المقاتل الوحيد للتطرف والمحارب الفذ للإرهاب في المنطقة وكان ذلك جلياً في المسرحية التي زعم بها الأسد تحريره لمدينة تدمر الاثرية.
كل ما تم ذكره في الأعلى ينطوي تحت البنود السياسية التي فرضت على الجبهة الجنوبية محاربة التطرف في المنطقة، لكن هناك العديد من الأمور المنطقية والواقعية التي تفرض على الجيش الحر عموماً وعلى الجبهة الجنوبية خصوصاً في محاربة الإرهاب، والتي يندرج أهمها تحت مبادئ وأهداف وثوابت الجبهة الجنوبية، والثورة ترفض وجود أي فكر متطرف يحاول النيل من كرامة وحقوق ووحدة الشعب السوري على اختلاف أطيافه وألوانه، فالثورة قامت ضد الظلم والطغاة ولا أحد في سوريا يريد استبدال طاغية ومجرم بآخر جديد، كما أن الحفاظ على أمن وأمان المواطنين في المناطق المحررة يقتضي محاربة الخلايا المتطرفة التي عاثت في الارض فساداً.