يرى البعض أن الدور الروسي في سوريا يتعاظم أكثر فأكثر نتيجة قرب انتهاء ولاية أوباما، خصوصاً أن أي رئيس أمريكي يصبح في أيامه الأخيرة كالبطة العرجاء، غير قادرٍ على اتخاذ قرارات مصيرية مفصلية، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار الالتزامات التي قدمها أوباما قبل انتخابه بعدم استخدام قوة أمريكا العسكرية خارج الحدود، وتعهده بسحب قواتها من مناطق الصراع في العالم كأفغانستان والعراق وغيرها من الدول، تصبح العرجاء كسيحة.
ويضيف أصحاب هذا الرأي أن الروس يستثمرون في حالة أوباما هذه، فيصبون نيران جهنم على حلب، وينتزعون القدر الأكبر من الكعكة السورية، التي تتطلب إطالة عمر الأسد، وتثبيته وتمكينه من رقاب السوريين.
لكن هناك وجهة نظر أخرى تقول أن هذه القراءة فيها تبسيط شديد لقوة أمريكا في العالم. ففي دولة مثل أمريكا ليس هنالك مواقف ثابتة، فهي دولة المصالح الأولى في العالم، ويمكن لرأس الإدارة هناك أن يغيّر موقفه من قضية ما، ويكفي تمهيد إعلامي ليوم واحد، أو خطاب ناري ساحق ماحق يعلن فيه الغضب الأمريكي تجاه حدث ما، لتبدأ الآليات العسكرية عملها.
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، بدى جلياً بروز الاتحاد الأوروبي في سد الفراغ الذي تركته هذه القوة العظمى. وبالفعل ساهم الاتحاد في وضع بصمته على خارطة العالم السياسة، وصنع وحدة سياسية اقتصادية لا يستهان بها، مما أقلق النفوذ الامريكي ورغبته في السيطرة على العالم، فكان الرد الأمريكي الأول، بإتاحة الفرصة للاقتصاد الصيني في النمو الذهل، ثم جاءت الضربة الأقوى للأوروبيين في إقصائهم عن قضايا ساخنة في العالم كان آخرها الشأن السوري وتسليم هذا الملف برمته للروس.
إن أكثر المتضررين اليوم بعد السوريين من هذا التوكيل الأمريكي للروس هم الأوربيون الذين يتلقون الضربة تلو الأخرى جراء الاستعصاء السوري على يد الروس، فخروج بريطانيا من الاتحاد ربما كان من أسبابه الرئيسة موضوع اللاجئين، اضف إلى ذلك الرياح التي تكاد تعصف بوحدة أوروبا من مثل صعود اليمين المتطرف في عدد من دولها، وإن كان ذلك بنسب متفاوتة، إلا أنه ظهر جلياً في ألمانيا حيث السيدة ميركل في أضعف حالاتها وهزائمها المتتالية دفعتها للاعتراف بأخطاء ارتكبتها تجاه موضوع اللاجئين السوريين، ناهيك عن ضربات إرهابية موجعة طالت فرنسا وبلجيكا وألمانيا، وتهدد بقية الدول الأوروبية.
أوروبا اليوم في حالة استنفار لمعالجة مشاكلها الداخلية، وبالتالي هي غير قادرة على منافسة الدور الأمريكي في العالم، ولا دور لها في الملف السوري، مع أن من مصلحتها الوصول إلى حل نهائي لهذا الملف، أما الروس فهم أداة دمار بيد الأمريكان، والعرب كما الدولة العباسية في آخر أيامها، تنحصر مهمتهم في دفع تهمة الإرهاب عن أنفسهم.
السؤال الذي يمكن طرحه هنا: هل هذا ضرب من ضروب القدر التي لا يمكن مواجهتها؟ وهل بإمكان المعارضة السورية الانفتاح الحقيقي على دول الاتحاد، وحثها على الانخراط أكثر في هذا الملف، بل وحتى تسليمها دون غيرها أوراق قوة، كي تكون أكثر من مجرد بقعة جغرافية يلتقي فيها أصحاب السطوة والنفوذ كي يقرروا مصائر الآخرين، وسيكون ذلك صفعة في وجه الروس، وقبلهم الأمريكان!.
أيمن الأسود – عضو الأمانة العامة في تيار الغد السوري