سوريا: فشل الهدنة وخرائط لمعارك جديدة

أفرز الاتفاق الروسي الأمريكي في أيلول/ سبتمبر الجاري، هدنة فاشلة في سوريا، إذ لم يكشف الكثير من بنوده، على رغم ما تم تسرّيبه من تفاصيل سرية، بعثت المزيد من الخوف والقلق في نفوس السوريين على مستقبل بلادهم ومسار العمل السياسي فيها.

نصت الاتفاقية على تجميد القتال بين قوات النظام وفصائل من المعارضة المسلحة لتهيئة الظروف أمام عملية الانتقال السياسي، وبدأت بالتسلسل عبر ضمان استمرار الهدنة لـ48 ساعة وبشكل متكرر، وهو ما انتهى عملياً، منذ الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بممارسات الأطراف المعنية بالاتفاق المفترض، ويرافق الهدنة تمرير المساعدات الإنسانية، وهو ما سجل فشلاً مؤلماً لم يسعفه بعض الشاحنات الشحيحة التي وصلت إلى أجزاء محاصرة من حلب وريفها، وأخرى إلى ريف دمشق النازف.

أما المرحلة الثانية، وهي التي تستتبع الهدنة مباشرة، فتتلخص في اعتماد الخرائط العسكرية المشتركة التي توضح مواقع قوات النظام والمعارضة المسلحة المعتدلة، حسب التقييم الروسي الأمريكي المشترك لمفهوم الاعتدال، ومواقع الإرهابيين من تنظيم “داعش”، وجبهة فتح الشام “النصرة” سابقا.

تعطّل الاتفاق تماماً عند هذه النقطة، حيث قصفت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مواقع لقوات النظام منتصف الشهر الجاري في جبل ثردة، قرب مطار دير الزور بأربع ضربات جوية، صرحت بأنها “بالخطأ وغير متعمدة”، لكنها أثارت علامات استفهام حول صلابة الاتفاق، خاصة أن مرحلته الثالثة التي تشترط استمرار الهدنة لمدة أسبوعين حتى يتسنى لطرفي الاتفاق، إنشاء مركز موحد لتوجيه الضربات المشتركة إلى قوى الإرهاب، ولن يتم تطبيق بند الضربات المنسقة إلا في حال انفصال المجموعات المصنفة ضمن المعارضة المعتدلة عن قوى الإرهاب.

أما المرحلة الأخيرة وهي الدعوة إلى مفاوضات استشارية في جنيف للبحث في الخطوط العريضة التي اتفقت بشأنها كل من واشنطن وموسكو، على أن تكون المفاوضات النهائية في أواخر أيلول/سبتمبر، أوائل تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، التي ستقرر استمرار حال الأمر الواقع وتثبيت حدود مواقع النظام والمعارضة المعتدلة، لتتحكم كل جهة بمواقعها وتمتنع عن مقاتلة الأخرى، ومن ثم البحث في صلاحيات الرئيس، والحكومة الانتقالية وأعضائها، ورئيسها، خلال الفترة الانتقالية التي تعقب المفاوضات مباشرة، والبدء في إعداد دستور جديد في البلاد قبل شهر أيار/مايو 2017.

خلال هذه الفترة تستمر روسيا وأمريكا في استهداف قوى الإرهاب، على أن تبدأ الفترة الانتقالية حسب الدستور الجديد في شهر حزيران/ يونيو التالي.

إن مصير أي هدنة أو مفاوضات متوقفة على عقد طاولة حوار سوري بين فصائل واتجاهات المعارضة أولا، من دون استثناء، برعاية أممية وإشراف مباشر من الدول العربية، صاحبة المصلحة في انتقال سياسي للبلاد، من دون ذلك، يكون مصير كل الاتفاقات الحاصلة كحال الهدنة التي ننعيها الآن بكل ألم يدفع السوري وحده ثمن الفشل في الوصول إلى حل سياسي يحقن الدماء ويضع حداً لهذه الحرب المدمرة، التي تنذر باختفاء سوريا من الخريطة.

حلب تنزف مرة أخرى بمجازر يومية، وتدفع ثمن فشلٍ شارك الجميع فيه واستغله النظام ليحقق ثأراً شغله منذ اليوم الأول لانتفاضة السوريين.

أعلنا موقفنا مثل أغلب السياسيين السوريين في هيئات المعارضة السورية وتجمعاتها، إننا مع أي محاولة لحقن الدماء، ووضع نهاية للمأساة المستمرة منذ سنوات، وأبلغنا كل من قابلناهم من صناع القرار في الدول ذات التأثير، خاصة طرفي الاتفاق المفترض الذي تأملنا منه، أكثر بما لا يقارن مما قدمه، إدانتنا لربط سياق الأحداث في سوريا بنزاعات وخصومات خارج الحدود السورية، لا تحتمل طاقة السوريين التأجيل والتجريب أكثر.

إن غياب الجدية والحسم في التعامل مع المسألة السورية أديا إلى ظهور الجماعات الإرهابية، وإن الاستمرار في ترك الحبل على غاربه، يرسخ قدم هذه الجماعات التي يتعدى خطرها حدود الدم السوري، ليصل إلى أوروبا وأمريكا.

بذور فشل أي مشروع هو في شكل طرحه، والأدوات التي يعتمد عليها ولأن الهدن والمفاوضات، لم تستندا حتى الآن على جوهر المأساة السورية، التي تسبب بها النظام والميليشيات الطائفية الإيرانية، فلا بد من جمع الأطراف السورية، التي تطرح مسألة الحل السياسي واستبعاد الميليشيات غير السورية، التي تساند النظام والجماعات الإرهابية في الوقت نفسه، فلا يمكن لأي فصيل معتدل أن يثق بمشروع محاربة الإرهاب إن لم يتضمن هذا المشروع إخراج الميليشيات الطائفية الشيعية من سوريا بالتوازي مع الفصل بين التنظيمات الإرهابية والمعارضة المعتدلة.

الاتفاق بين الفصائل السورية أولاً على قبول بعضهم بعضا، من دون الخوض في الأسباب المؤدية للحال التي نحن عليها، وضمان حق كل مجموعة في التعبير عن نفسها، بعيداً عن لغة السلاح والترهيب، وترتيب الآليات الضامنة للذين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم، وتسوية أوضاعهم، دونما تهجير أو إخراج من المناطق التي دافعوا عنها، وإعادة المهجرين عنوةً إلى مناطقهم، وبناء على كل ذلك الاتفاق وبالتوازي معه، يتم ترتيب هدنة، برعاية أممية وضمانات عربية، حتى إن كانت هذه الضمانات تحتوي على وجود قوات عربية للفصل بين الأطراف المختلفة.

كررنا طلبنا وسنكرره لكل الدول ذات التأثير في يوميات الحدث السوري، كسوريين بمختلف انتماءاتنا، مستعدون للبدء بحوار غير مشروط مع الأطراف السورية كافة، والقبول بهدنة غير مشروطة، لوقف حمام الدم، على أن يتوفر لهذه الهدنة ضمانات عربية، ذات مصلحة في استعادة سوريا لمكانتها ووجهها الحقيقي، من خلال ولادة الجمهورية السورية الجديدة من رحم مأساة بدأت مع الأسد الأب، وكان المخاض عسيراً في السنوات الخمس الماضية، ولا شيء يؤدي إلى هذا الحلم المحقق قريباً إلا حوار وقبول السوري للسوري قبل كل شيء، أما فشل الاتفاقات والهدن من دون ذلك فهي البداهة، ولعلنا نأخذ العبر جميعاً من تجاربنا مع الهدن والمفاوضات التي جرت حتى الآن.

أحمد عوينان عاصي الجربا
رئيس تيار الغد السوري

تعليقات الفيسبوك