يوما بعد يوم يتضح للشعب السوري أن رغبته في التخلص من الاستبداد الديكتاتوري لنظام الأسد، وصدامه مع ذلك الاستبداد، تحوّل إلى صدام مع قوتين كبيرتين إحداها إقليمية وهي إيران، والأخرى دولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن وهي روسيا.
فبعد أن دعمت إيران الأسد بحوالي ٣٥ مليار دولار حسب مراقبين دوليين، وأرسلت له مليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية تقاتل إلى جانبه، تبين أن كل ذلك الدعم، وإن كان له أكبر الأثر في قدرة الأسد على الاستمرار في شن حرب شعواء مدمرة على الشعب، إلا أنه ليس كافيا لحسم الصراع لصالحه.
روسيا والتي كان دعمها سياسيا في مجلس الأمن وغيره، وعسكريا في استمرار توريدها للسلاح والذخيرة وقطع الغيار للنظام.. أدركت من جانب آخر، أن القدرات الإيرانية محدودة ووصلت إلى أقصاها، لتبدأ مسيرة التراجع العسكري لنظام الأسد منذ بداية العام الجاري مما ينذر بخروج الوضع عن سيطرتها، فقررت أن تغير قواعد اللعبة، وتنشئ رأس جسر عسكري في الساحل السوري، تمهيدا لنقل جيشها إلى الأراضي السورية، الأمر الذي لا تستطيع إيران القيام به لمحدودية قدراتها اللوجستية والعسكرية.
تسبق روسيا غرماءها بخطوات في الشأن السوري، فالدبلوماسية الروسية تنشط منذ أشهر في عقد اجتماعات من أجل إيجاد الحلول، وتطرح مبادرة تلو الاخرى، مثل مبادرتها في إنشاء تحالف ضد الاٍرهاب بين الأسد ونظامه والقوى الإقليمية التي تقف مع الشعب السوري في مطالبه للانتقال السياسي مثل السعودية وتركيا، والقوى الغربية التي تنخرط في تحالف قائم ضد داعش، إضافة إلى إيران، ومبادرتها بشأن الحل السياسي على لسان الرئيس بوتين، والتي تقترح إبقاء الأسد رئيسا مع انتخابات تشريعية مؤقتة وحكومة مختلطة. لم يلتقط أحد المبادرات الروسية لأنها تتجاهل تماما أساس الصراع، ونضالات الشعب السوري وتضحياته، وتحاول دائما تعويم نظام الأسد، وهو المسبب الأساس في المشكلتين الكبيرتين اللتين تؤرقان العالم، وهما الكارثة الإنسانية وإرهاب داعش.
وطالما الأمر كذلك، كان خيار موسكو هو إضافة أسنان لمبادراتها، بدلا من التفاوض بشأنها وتعديلها كي تصبح أكثر منطقية وواقعية وإخلاقية. ورغم صدور تصريحات غربية تنتقد الإجراءات الروسية العسكرية في سوريا، مثل تصريح الرئيس الأمريكي بأن تلك الاستراتيجية خاطئة وفاشلة، وكذلك تصريحات ألمانية محذرة، إلا أنه من الواضح أن روسيا تقوم بالأفعال، ويكتفي الغرب بالأقوال، حتى الآن على الأقل.
تقول روسيا إن حشدها العسكري هو موجه لمساعدة الأسد ضد داعش، ولكن نظرة سريعة إلى أماكن تموضع القوات والأسلحة الجديدة في الساحل وحماة، والتحضيرات الجارية لهجوم كبير في سهل الغاب، توضح أن هدف موسكو هو قلب المعادلات العسكرية بين الأسد والثوار، وليس تلك التي مع داعش، مع ملاحظة قلة محاور اشتباك النظام مع داعش، وهزالة جهوده في مواجهة ذلك التنظيم المتطرف بالمقارنة مع حربه مع الشعب. ويبدو أن موسكو ترغب في فرض حلولها على الشعب السوري عن طريق عكس التقدم الذي أحرزه الثوار خلال الأشهر الأخيرة، وصولا إلى هزيمة الثورة عسكريا تمهيدا لهزيمتها سياسيا حسب المبادرة الروسية للحل السياسي. وتقول موسكو إنها تريد الحل حسب “بيان جنيف”، ولكن مبادراتها تتناقض معه، وتقول يجب عدم التدخل الخارجي في سوريا، وتفعل ذلك.
الهجوم المترقب سوف يكون مختلفا من الناحية النوعية والتكتيكية، حيث يتوقع أن تكون القوة النارية لجيش الأسد وحلفائه أكبر مما كانت عليه، رغم أنها كانت متفوقة في الأساس، وذلك من جراء التدفقات الجديدة لأسلحة روسية أكثر تطورا وفتكا، إضافة إلى انخراط الضباط الروس بشكل مباشر في إدارة المعركة مستفيدين فيما يبدو من تجربتهم في “غروزني”، وإعادة لذلك السيناريو. بينما القوات المدافعة، سوف تكون حلفا مكونا من كتائب أحرار الشام الإسلامية، وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة العالمي، وبعض كتائب الجيش السوري الحر، والذين يعملون جميعا ضمن حلف يسمى “جيش الفتح”.
وبينما يقتضي منطق التنافسية بين الدول حصول ردود أفعال من قبل أصدقاء الشعب السوري على التصعيد الروسي، وذلك برفع سوية التسليح لدى الثوار مما يمكنهم من مواجهة الحشد الجديد، إلا أن وجود “تنظيم القاعدة” ضمن “جيش الفتح” لازال يمثل عقبة كبيرة. ورغم بعض المراجعات الفكرية التي أعلنت عنها “حركة أحرار الشام” مؤخرا، إلا أنها أتت قليلة ومتأخرة، ولا تقطع مع “النصرة” بشكل حاسم. ولكن كل ذلك لا يعني أن المعركة سوف تكون نزهة للضباط الروس.
من جانب الثوار، وحتى يستطيعون الصمود بشكل أفضل، وهزيمة المشروع الروسي، عليهم أن يسرّعوا من اقترابهم نحو الخطاب الوطني الجامع، ورهانات الثورة الأساسية في الحرية والكرامة والمساواة وحقوق الإنسان، مبتعدين عن الخطاب المذهبي والدولة الدينية والذي يثير مخاوف شرائح واسعة من المجتمع السوري ليست محصورة في الأقليات، وذلك الخطاب الذي يصطدم مع المجتمع الدولي. فمن الصعب معاداة الشرق والغرب معا، والانتصار في نفس الوقت، إضافة طبعا إلى الانفصال النهائي عن “جبهة النصرة”، بالنظر إلى إصرارها على الارتباط مع الاٍرهاب العالمي.
ويحتاج الثوار في سوريا إلى الربط والتشارك بشكل أفضل بين القوى السياسية وتلك العسكرية، حيث من الواضح أن المعارك السياسية سوف تكون في المرحلة المقبلة بنفس درجة صعوبة المعارك العسكرية.
أما إنسانيا، وإذا رمت موسكو بثقل عسكري كبير، كما هو متوقع، فإن ذلك سوف يؤدي إلى موجات جديدة من نزوح المدنيين، خصوصا من ريف حماة وإدلب، وتزايد كبير في مشكلة اللاجئين، طبعا هذا إلى جانب الخسائر البشرية الكبيرة من كل الأطراف.
كان الأحرى بالقيادة الروسية أن تعي طبيعة الصراع، وأن تعترف بحق الشعب السوري في تقرير مصيره، وتمتنع عن مساعدة نظام الأسد في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب مستمرة منذ سنوات بلا هوادة، وتساعد على إرساء السلام بدلا من تصعيد الحرب، والتي لن تؤدي إلى انتصار القوى المعادية للشعب على أي حال، ولكن إصرار تلك القوى على عدائها للشعب من شأنه أن يطيل أمد الحرب، ويضاعف من الضحايا والمعاناة الإنسانية.
منذر آقبيق – تيار الغد السوري