قال الدكتور محمد خالد الشاكر، عضو تيار الغد السوري والخبير في القانون الدولي، إنه من الناحية القانونية يعتبر مشروعا القرارين الفرنسي والروسي في مجلس الأمن الدولي، واللذين تم التصويت عليهما يوم أمس السبت، إعلانا فعليا لنهاية العملية السياسية في سوريا، وإسقاطا للقرار 2245.
وأضاف الشاكر، في تصريح للمكتب الإعلامي بتيار الغد السوري، استناداً لفقه القانون الدولي، وبعد تبني مشروعي القرارين الروسي والفرنسي، واستناداً للحيثيات المطروحة فيهما، يبدو أننا أمام حالة تتعارض وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي أطلق العملية السياسية لجنيف 3، وتضمن وقف الأعمال العدائية، كمقدمة لوقف إطلاق الناروإطلاق العملية السياسية، مايعني نهاية فعلية للعملية السياسية في سوريا، ومقدمة لعملية سياسية مستقبلية مختلفة ومتغايرة مع كل ماهو حاصل الآن.
ونوه عضو تيار الغد السوري إلى أن مشروع القرار الروسي، الذي دعا إلى تبني الاتفاق الأمريكي الروسي، اصطدم على أرض الواقع بعدم القدرة على فصل “جبهة النصرة” عن غيرها من الفصائل غير المشمولة بالهدنة، وهو الفصل الذي تضمنه القرار 2254 في البند الثامن والذي أكد على القرار 2249 لعام 2015، الذي سمى بالنص الصريخ مايعرف بـ”تنظيم الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”. وهي الحجة القانونية التي استندت إليها روسيا لرفع الفيتو ضد مشروع القرار الفرنسي.
أما مشروع القرار الفرنسي، بحسب الشاكر، فهو الآخر يتعارض مع القرار 2245 ، فقد تضمن وقف الضربات الجوية على حلب، وهو ما يتعارض أيضاً مع الاتفاق الأمريكي الروسي وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي تضمن عدم شمول “جبهة النصرة” بما نص عليه القرار، وهكذا تبدو -من الناحية القانونية- مسألة الفصل هي العقدة التي تتمحور حولها جميع الخلافات، مع فارق وحيد هو أنّ روسيا ومن وراءها يتذرعون باندماج “جبهة النصرة”، بينما تتذرع الولايات المتحدة بصعوية الفصل، بحيث يظهر القرار 2254 مجرد حبر على ورق.
وعلى هذا الأساس، يقول الخبير في القانون الدولي، يمكن اعتبار مشروعي القرارين، الفرنسي والروسي، اعترافاً بإجهاض مانص عليه القرار 2254 الذي أصدرته الدول ذاتها التي تتضارب اليوم في مشروعيها، مايعني رجوعاً إلى ماقبل صدور القرار، أو بالأدق، نهاية فعلية للعملية السياسية على أساس جنيف 3، بما في ذلك نهاية الهيئات التنفيذية التي تم استحداثها في إطار جنيف 3، وهنا نقصد بالتحديد “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي كنا نتمنى منها، منذ البداية، أن تستبين مانصت عليه ديباجة القرار 2254، ومندرجاته قبل الذهاب لمحادثات لاتمت للعمل التفاوضي بصلة، بقدر ما أصبحت أشبه بلعبة القمار أو التنجيم، في الوقت الذي يُفترض به العمل على تفسير القرار كعملية تقنية – قانونية، قبل الخوض بالمحادثات، وذلك بالاضطلاع أو فهم صياغة القرار وحيثياته.
وأشار الشاكر إلى أنه ومنذ الساعات الأولى لصدورالقرار 2254 “قلنا بأنه لايحقق تطلعات السوريين، بسبب التعويم والغموض الواضحين في القرار، الذي جاء ليتحدث عن “وقف الأعمال العدائية”، كحالة تفترق في فقه القانون الدولي عن وقف إطلاق النار، حيث عرّج القرار 2254 على ذكر وقف العمليات العدائية كمقدمة لوقف إطلاق النار المأمول وغير المحدد بآليات واضحة؛ بل على العكس من ذلك، فقد شكل القرار فرصة للنظام السوري للعمل على هدنة هنا وأخرى هناك، بدءً من حلب، مما يسمح للنظام السيطرة على باقي المناطق، وإطالة عمره مابقيت محادثات الهدن القصيرة، وهو ماحصل بالفعل، إذ وجد كل من النظام وروسيا في مندرجات القرار 2254، لاسيما ماتعلق منها بفصل “جبهة النصرة”، فرصة لحرق الأخضر واليابس بحجة محاربة التنظيمات الإرهابية، وهو مادفع ثمنه المدنيون العزل الذين يعانون من أسوء كارثة إنسانية في التاريخ المعاصر، بسبب الجوع والخوف والقصف اليومي، وغياب أبسط مقومات الاستمرار في الحياة.
أما من الناحية السياسية، فيبدو أن جنيف 3 قد فشل فشلاً ذريعاً، مايعني أنّ جميع الأطراف ستعيد حساباتها في الصراع الذي أصبح انتحاراً سياسياً متبادلاً بين جميع القوى الدولية والإقليمية، كما الحسابات التي تحتم على المعارضة السورية، التي يفترض أن تعيد حساباتها -بشكل عاجل- في تكوينها، وبنية مؤسساتها، وخطابها السياسي، وعلى أقل تقدير قبل وصول الرئيس الأمريكي الجديد، الذي ينتظر معارضة سورية أكثر توحداً وعقلانية، بحسب الشاكر.
وأضاف: وبالنسبة للأوضاع الميدانية الحالية، فيبدو النظام وروسيا منفردين في المشهد على الأرض، مايعني تداعيات لايُحمد عقباها قادمة على الأرض السورية، ومن غير المعقول أن تترك المنظمة الدولية -بعد هذا الفشل الذريع- الحبل على الغارب لهكذا واقع، وماعليها إلا أن تضع بدائل لآليات جديدة، لحل عقدة الاستعصاء المتمثل بفصل الجماعات الإرهابية كمقدمة للعملية السياسية القادمة. مؤكدا أنه على المنظمة الدولية أن تضطلع بمهامها القانونية بحفط السلم والأمن الدوليين، كما فعلت في العديد من حالات بؤر الصراع في العالم، لاسيما في الحالات التي يفشل بها مجلس الأمن الدولي في مهمته الرئيسية بحفظ السلم والأمن الدوليين، بسبب الفيتو المتبادل بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
وقال الشاكر إنه في مواجهة ذلك، على المنظمة الدولية أن تلجأ إلى وسائلها الأخرى في حفظ السلم والأمن الدوليين، ومنها على سبيل المثال مايسمى بـ”عمليات حفظ السلام”، وذلك بإرسال قوات تابعة للأمم المتحدة إلى ميدان الصراع المسلح، ليس بغرض حل النزاع أو حسمه لصالح طرف من الأطراف المتنازعة، وإنما لأغراض تتعلق بالإشراف على ترتيب وقف الأعمال العدائية أو وقف إطلاق النار، والفصل بين القوات المتحاربة، ومراقبة حركة هذه القوات، أو استناداً لما يسمى بـ”التدابير الوقتية” استناداً لنص المادة 40 من ميثاق الأمم المتحدة، التي لاتحتاج لموافقة أطراف النزاع، ولاتخل بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو مركزهم، أو استناداً للتدخل الإنساني كأحد الاستثناءات الحديثة على مبدأ عدم التدخل، التي استعملتها الأمم المتحدة في الكثير من النزاعات الدولية.
وفي جميع هذه الحالات، بحسب الشاكر، يمكن لمنظمة الأمم المتحدة أن تمهد للأرضية القانونية التي توقف الكارثة السورية، وبما يمهد أيضاً لصياغة توافقات إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن سوريا، لذلك ربما قد تشهد الأشهر القليلة القادمة، تأسيساً لعملية سياسية مغايرة لكل ماهو حاصل، وقد تكون بأدوات وآليات وهيئات تنفيذية، تختلف اختلافاً جذرياً عما سبقها.