أمريكا تعيد لأوروبا دورها في الملف السوري والصين تبحث عن صفقة

ماحدث في مجلس الأمن الدولي هو مرحلة من مراحل الاصطفاف التي تميزت بها الأزمة السورية، وهو هامش طرحته الولايات المتحدة الأمريكية في الملعب الأوربي بعد تهميش دور أوربا بشكل متعمد.

لايخفى على أحد أن أمريكا قد جعلت من أوربا في الأزمة السورية طرفا غير فاعل، وحجمت الدور الأوربي بشكل متعمد وكبير لصالح الدور الروسي، ولكن في هذه المرحلة أعطت أمريكا دورا لأوربا كي تستعيد فاعليتها وذلك من خلال القرار الفرنسي الذي تم طرحه في مجلس الأمن الدولي ولكن دون ضمانات من الإدارة الأمريكية بأن تمنع الفيتو الروسي من إجهاض القرار، وهذا ماحصل فعلا.

الإدارة الأمريكية تعيش حاليا فترة الانتخابات التي وصلت إلى ذروتها، وقد أجلت جميع القضايا الخارجية إلى حين انتهاء الانتخابات، وقررت في المقابل وضع أوربا مقابل روسيا في الملعب السوري مع تحديد خطوط للجميع لايمكن تجاوزها.

أوربا الراغبة بالعودة إلى الساحة السورية وافقت على هذا الأمر وهي تعلم أنها غير قادرة على إيجاد حل للأزمة السورية دون التدخل الأمريكي، ولكن كان الهدف هو إرسال رسالة إلى بقية دول العالم التي بدأت تتجه بوصلتها نحو موسكو بعد التدخل في سوريا وتحديها للولايات المتحدة الأمريكية بشكل معلن وصريح، مما أفقد أوربا بريقها وثقة الدول التي كانت تعتبرها القوة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الأمر سبب تغيرا في الصفقات الاقتصادية، وخصوصا صفقات السلاح، حيث ظهر أن روسيا خلال الفترة الماضية حققت أعلى مبيعات سلاح منذ عشرات السنين، وذلك بعد تدخلها في سوريا على حساب السلاح الأوربي، وظهرت أوربا عاجزة أمام روسيا في الدفاع عن حلفائها أو رعاية مصالحهم، مما جعل دولا عديدة تتجه للتحالف مع الروس لأنهم أظهروا قوة كبيرة في الدفاع عن حليفهم في سوريا بشكل عملي.

روسيا تدرك أن أوربا غير قادرة على إيجاد حل للأزمة السورية دون تشاركية أمريكية فعلية، وتدرك أيضا أن الإدارة الحالية ليست بصدد إيجاد حل، بل هي مشغولة “بتوضيب” حقائبها لتغادر البيت الأبيض تاركة الملف السوري للإدارة القادمة لذلك لن تتدخل الولايات المتحدة في الصراع داخل مجلس الأمن لتمرير القرار الفرنسي وستكتفي بالتصويت لصالحه، وهذا لن يكون كافيا بوجود الفيتو الروسي.

في المقابل كان هناك القرار الروسي المطروح داخل مجلس الأمن والذي كان أيضا فرصة لأوربا لإظهار جديتها في رفض أي مشروع روسي، واستطاعت أوربا إسقاط هذا القرار دون استخدام أي حق للنقض وجعلت القرار يسقط بسبب عدم حصوله على العدد الكافي للموافقة عليه، وهذه كانت رسالة تريد أوربا إيصالها.. أنها لاتزال تمتلك القدرة على حشد الحلفاء دون اللجوء إلى خيارات صعبة. إسقاط القرار الفرنسي بالفيتو الروسي يعطي انطباعا أنه قرار شرعي وتبنته دول كثيرة، وإسقاط القرار الروسي لأنه لم يحصل على النصاب اللازم لطرحه يعطي انطباعا أنه قرار غير شرعي لم يحظ بثقة المجتمع الدولي. من جهة أخرى نجد الصين التي وقفت على الحياد من القرار الفرنسي ولكنها أيدت القرار الروسي فلماذا كان هذا الموقف؟.

الصين إلى الآن لم تحقق أي مكسب من الأزمة السورية رغم أنها استعملت حق النقض مرات عدة لصالح النظام السوري، ولكن النظام السوري أعطى “الكعكة السورية” بكاملها للروس مما جعل الصينين ينسحبون من الساحة السورية، ووقوفهم على الحياد هو رسالة إلى النظام السوري مفادها (إن كنتم تريدون أن نقف معكم ويصبح ثقلكم في مجلس الأمن الدولي يحمل شرعية أكبر فعليكم أن تدفعوا مقابل ذلك). ومن المعلوم أنه حتى لو سقط أي نظام في العالم فإن الاتفاقيات التي سبق ووقعها مع أي دولة ستكون سارية المفعول، وقد حصل ذلك في العراق، مثلا، حيث وقعت روسيا عقدا لتطوير حقول نفط الشمال قيمته 40 مليار دولار قبل سقوط العراق بستة أشهر، وتم تنفيذ العقد بعد سقوط النظام العراقي.

الصين تريد حصة مقابل “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي وتريد الحصول على عقود في سوريا، وحاليا لا أحد يملك حق إعطاء العقود أو منحها سوى النظام السوري فكانت هذه الرسالة إلى النظام.

ومن ناحية أخرى كانت رسالة إلى أوربا.. أننا مازلنا لم نتخذ قرارا بعد بشكل فعلي، وأننا مستعدون للتعاون معكم وتشكيل الخط الثالث في الأزمة السورية بعد أن هيمنت امريكا وروسيا على الملف السوري.

وكانت أيضا رسالة إلى الروس أننا لازلنا حلفاء لكم في الوقت الراهن، ولم نتخذ وضعية الحياد بعد، وصوتنا لصالحكم في مجلس الأمن، ولكن لن نقبل أن نعادي أوربا دون مقابل كبير يغطي أضرار هذا العداء، والمقابل هو عندكم في سوريا، وأنتم من يقرر في الوقت الراهن بدلا عن النظام في منح العقود والصفقات.

أما بقية الدول في مجلس الأمن فهي تدرك أن أصواتها لن تحدث أي تغير أبدا، وأنها مجرد تحصيل حاصل للتوافق الروسي الأمريكي، لذلك وجدت الحرية المطلقة في القبول أو الرفض لكلا القرارين المطروحين، ولكنها وجهت رسائل فيما بينها لبعضها البعض وجعلت من خلافتها تطفو على السطح بشكل علني لأول مرة بعد أن كان مجرد رسائل مبطنة يتم توجيهها بطرق غير مباشرة.

لكن من هو المنتفع الأكبر مما حصل؟.. النظام السوري هو الوحيد الذي استفاد مما حصل في مجلس الأمن الدولي وهو الوحيد الذي خرج بنتيجة إيجابية في الفترة الراهنة، وهي نتيجة تكتيكية وليست استراتيجية، ولن يستطيع الحفاظ عليها في المدى الطويل، ولكنها منحته حرية إكمال منهجه في التعامل مع الأزمة السورية في الوقت الراهن بطريقته التي يراها مناسبة له ويعلم أنه سيخسر كل شئ في حال حدوث اتفاق مصالح بين الدول الكبار، لذا فإننا سنرى في الفترة المقبلة محاولات حثيثة من النظام لطرح نفسه كشريك وليس كصفقة، رغم أنني أستبعد القبول به كشريك لدى الدول فقد أصبح الحل والربط في الفترة الحالية بيد الروس وليس بيده.

الكلام الفصل سيكون بعد الانتخابات الأمريكية، وسيظهر لنا حجم الجميع الحقيقي، وهذه الفترة هي فترة الوقت الضائع والحصول على العقود والصفقات، زمن الحقيقة اقترب وزمن الصمت سينتهي قريبا مع وصول ساكن البيت الأبيض الجديد، وهذا مايعلمه الجميع.

في النهاية هو محاولة أمريكيا لنقل الصراع حاليا وإظهاره كصراع أوربي روسي بعيدا عن الملعب الأمريكي المشغول حاليا بالانتخابات وجعل الشقاق الأوربي يزداد، وعزل روسيا في أوربا من خلال إدخالها في صراع داخل مجلس الأمن الدولي تنعكس آثاره على العلاقات الأوربية الروسية التي كانت في الفترة الأخيرة تشهد تحسنا ملحوظا.

صدام الجاسر – تيار الغد السوري

تعليقات الفيسبوك