الضرب تحت الحزام.. إيران وروسيا

يبدو أننا وصلنا إلى المرحلة الأخيرة في المساومات والصفقات وأصبح من الضروري تهيئة الأرضية المناسبة والكراسي والطاولة للجلوس ووضع اللمسات النهائية على الإطار العريض للوحة السورية رغم قتامة المشهد وغزارة الدماء التي سالت في الجغرافيا السورية.

جهود متسارعة واجتماعات كثيرة يعقدها وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” يحاول خلالها الضغط على الطرف الروسي من أجل الانتهاء من وضع حلب والخروج بنتيجة تحفظ ماء الوجه الروسي، ويبدو أن الطرف الروسي أصبح في موقف محرج فقد استنفد كل مافي جعبته من خيارات دبلوماسية وعسكرية، ولكنه في كل مرة لايحصل إلا على انتكاسة جديدة تجعل موقفه أكثر صعوبة، فهو لم يتوقع أن تصبح معركة حلب بهذا التعقيد، ولم يكن في حسبانه أنها سوف تستمر كل هذه الفترة، وظن في البداية أنه قادر على إنهاء الوضع خلال أيام أو أسابيع قليلة، ولكن حساباته باءت بالفشل وأصبح في موقف لايحسد عليه. ومن يعتقد أن المسلحين الموجودين في الأحياء المحاصرة في شرق حلب هم من يسعون إلى إبرام اتفاق من أجل الخروج فهو واهم، وفي الحقيقة أن الطرف الروسي يريد الحصول على هذا الاتفاق بشكل أكبر مما يريده المسلحون، فهو يريد الانتهاء من وضع حلب وتحقيق انتصار، ولو على الركام، كي يحفظ ماء الوجه له ولقوته العسكرية التي حشدها، والتي لو تم حشدها ضد أي دولة بكامل جهوزيتها لكانت ساقطة بالمفهوم العسكري العام.

عدا عن ذلك فقد أصبح الخلاف الروسي الإيراني على الأرض السورية واضحا بشكل كبير، وليس استيلاء داعش على تدمر بهذه السرعة إلا جزء من هذا الخلاف، فالواضح لمن يراقب مجريات الأمور أن الاختراق الإيراني لداعش هو اختراق كبير، وكذلك اختراق جيش النظام الذي أصبحت إيران تسيطر على جزء كبير منه بفضل تغلغلها في مؤسساته من خلال المليشيات التي ترسلها إلى سوريا.

لقد تم الدخول إلى تدمر من خلال الجناح الإيراني الموجود في داعش، والذي أراد الضغط على الجهة الروسية التي تسيطر الآن بشكل متزايد على الأوضاع في سوريا، وجعلت من إيران والنظام السوري مجرد إضافات تجميلية للعمليات التي تقوم بها القوات الروسية، مما جعل الإيرانيين يدركون أن التفرد الروسي سيجعلهم يفقدون كل مكتسباتهم في سوريا، وسوف يخرجون من دون أي فائدة فقرروا الضغط على الطرف الروسي من خلال رسائل غير مباشرة يتم تمريرها عبر الجماعات المتطرفة التي يسيطرون على قراراتها فكانت عملية تدمر التي فاجأت الروس، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الإيقاع بالجنود الروس في قبضة التنظيم المتطرف، ولو حدث ذلك لكان الأمر كارثة حقيقة على الروس.

إيران أصبحت تدرك أنها في موقف محرج وأن مكانتها التي كانت ترسمها لنفسها، والتي اعتبرت من خلالها أنها من اللاعبين الكبار في سوريا، قد بدأت تتلاشى، ولم تدرك أن المصالح الاقتصادية لدى الدول مقدمة على المشاريع الدينية التي تتخذها إيران ذريعة للتدخل في سوريا منذ سنوات عديدة، وأصبحت إيران تدرك أن التقارب التركي الروسي بات يشكل خطرا حقيقيا على وضعها في سوريا لأنها تعلم أن الأتراك بحكم كونهم الأقرب جغرافيا ودينيا إلى الشعب السوري يمكن أن يكونوا أكثر قبولا من إيران، لذلك فإن التحالف الروسي مع الأتراك سوف يعطيهم الأفضلية في المشاريع القادمة، وخصوصا بعد الاتفاقات الاقتصادية الروسية التركية.

الولايات المتحدة الأمريكية أعطت فرصة أخيرة لروسيا كي تخرج بنصر في سوريا مهما كلف الأمر، والمهم أن يكون هذا النصر روسيًا فقط وليس نصرا إيرانيا، لذا نرى التهميش المتعمد من الروس لحلفائهم الإيرانين في سوريا، ويبدو أن الوضع الجديد لم يناسب القيادة الإيرانية فحاولت أن تمنح روسيا مغريات كي يعود العمل المشترك معها فخرجت تصريحات إيرانية قبل أيام أن إيران مستعدة أن تسمح للقوات الروسية باستعمال قاعدة همدان الجوية من أجل العمليات العسكرية في سوريا. لكن هذا التصريح لم يلق آذانا صاغية لدى أحد، وتم تجاهله بشكل كلي من قبل الروس، بل وصل بهم الأمر أنهم لم يعلقوا عليه أصلا. لذا اتبعت إيران السياسة المعاكسة، وهي تأزيم الوضع في جبهة أخرى وجعل الخاصرة الروسية مكشوفة وتحت التهديد المباشر للقوة المتطرفة، وهي بذلك تلعب لعبة خطيرة سوف تنعكس عليها لاحقا ولن يقبل الروس بهذا الأمر.

هل أدركت إيران أنها ستخرج خالية الوفاض؟ نعم لقد أصبح الإيرانييون على يقين من أنهم خدعوا في سوريا وأنهم أيضا خدعوا في الاتفاق النووي، الذي تبين لاحقا أنه كان بمثابة ضوء أخضر للسماح لهم بالتورط أكثر في سوريا، ولكن وبعد فوز ترامب وتمديد العقوبات عليهم لعشر سنوات إضافية وإعلان أوباما أنه سيوقع على التمديد للعقوبات أدرك الإيرانيون أنهم كانوا مجرد ورقة تم استعمالها لغاية معينة وقد جاءت لحظة الحقيقة ويجب عليهم تحمل نتائج مواقفهم من الثورة السورية، ولا يخفى على أي إنسان أن العداء الذي يكنه الشعب السوري لإيران بات يفوق أي عداء لأي طرف آخر في الأزمة السورية.

في النهاية، نحن الآن ننتظر اللمسات الأخيرة، ويبدو أن أمر حلب قد تم حسمه، ولكن يتوجب الآن على الروس أن يصفوا جميع منافسيهم ويظهروا على أنهم هم المسيطرون على كل المفاصل بشكل تام ولامجال لأي دور لأي طرف آخر في المناطق التي يسيطرون عليها، وهذا في قادم الأيام سيجعلنا نشهد توترا واضحا بين الإيرانيين والروس قد يتطور إلى عمليات يتم تنفيذها بشكل غير مباشر لإيصال رسائل للطرف الآخر، ويمكن أن نقول إن فترة الضرب تحت الحزام سوف تبدأ بعد حلب.

صدام حسين الجاسر

تعليقات الفيسبوك