رغم مغادرته منصبه قبل أكثر من عامين، لا تغيب تفاصيل المشهد السوري عن السفير الأمريكي الأخير في دمشق “روبرت فورد” الذي أقر بثلاثة أخطاء ارتكبتها إدارة الرئيس باراك أوباما في التعامل مع المعارضة والنظام وروسيا، ناصحا الرئيس المنتخب دونالد ترامب بالعمل في إطار من التعاون مع تركيا.
فورد، الأستاذ حالياً في جامعة “يال” والزميل في “معهد الشرق الأوسط”، خصّ صحيفة “الحياة” بقراءة للواقع السوري، ساردا تجربته في سوريا ومسار “حرب الاستنزاف” وما يحمله المستقبل لسوريا.
وقال فورد إنه في عام ٢٠١٢ كانت “الحرب السورية” حرب استنزاف، ولكن دينامياتها تغيّرت اليوم. ما تغير هو أن الإيرانيين باتوا قادرين على المجيء بآلاف المقاتلين من ميليشيات في العراق أو مخيمات لاجئين للأفغان في شرق إيران، ما يعطي طهران قوة عددية في القتال أكبر من تلك الموجودة لدى المعارضة السورية. لذا، عندما كان القتال بين الجيش السوري أو ما تبقى منه والمعارضة بداية، أعطت حرب الاستنزاف الأفضلية للثوار، إنما اليوم وبسبب التدخّل الإيراني فهذه الحرب في مصلحة طهران في المدى الأبعد، إذ إن الديناميات تغيّرت رأساً على عقب.
وعن رأيه في الحرب الجارية اليوم في حلب، قال فورد: أعتقد بأننا أمام صورة مشابهة لما رأيناه في “القصير” في ربيع ٢٠١٣، عندما حاول الثوار أن يسيطروا على مواقع يمكن محاصرتها وضربها بقوة جوية وبالدبابات والمدفعية وهنا التفوّق للحكومة السورية، ما يجعل من المستحيل استمرار السيطرة على المواقع. وعلى غرار خسارة “الجيش السوري الحر” في القصير، يتكرر الأمر عينه في حلب. من هنا سيكون على الثوار تغيير تكتيكاتهم، إذ لا يمكنهم الاستمرار بمحاولة السيطرة على أراض كجيش تقليدي لأنهم ليسوا كذلك. وليس في مقدورهم التصدّي للطيران الروسي، وعليهم إعادة التفكير باستراتيجيتهم، وأكد فورد أنه إذا انسحب الثوار من حلب وذهبوا الى إدلب، ستسيطر الحكومة السورية على إدلب، ولن يكون في مقدورهم وقف ذلك.
وحول رأيه في قدرة الثوار على التحول إلى حركة تمرد، بمعنى التخلّي عن إستراتيجية السيطرة على أراضٍ والقيام بعمليات عسكرية، قال فورد لا أعتقد بأن لديهم القوة القتالية لاستعادة حلب، وأمامهم مشكلتا الطيران الجوي السوري والمقاتلين الإيرانيين. من دون شك استعادة الحكومة السورية لحلب انتصار سياسي وعسكري. من الواضح أيضاً أن لدى تركيا نوعاً من الاتفاق مع روسيا حول حلب، وهي سحبت ألوية من هناك مثل “فتح حلب”، وأرسلتها إلى جبهة الباب. والثوار يعتمدون على تركيا وفي حاجة إلى مساعدتها، وهم في مأزق اليوم.
أما عن توقعاته خلال سنة في سوريا، رأى فورد أن بشار الأسد سيسيطر على إدلب. أما تركيا وعبر قوات “درع الفرات” فستسيطر على المناطق التي في حوزة الدرع اليوم، وقد تسيطر على منطقة الباب ومنبج. مؤكدا أنه لا يعرف من سيسيطر على الرقة، هل هي قوات “سوريا الديموقراطية” أو غيرها، وأن تنظيم “القاعدة” سيكون له مناطق سيطرة في غرب سوريا ولتنظيم “داعش” في شرقها، وأن بشار الأسد سيسيطر على بقية المناطق.
وحول ما إذا كان يتعتقد أن هذا سيحسب انتصارا للأسد، قال فورد إنه “انتصار فقط” بمعنى أن موقعه سيكون أفضل مما كان عليه في ٢٠١٢ و٢٠١٣ وحتى في ٢٠١٥، إنما كيف سيكون شكل مدن أو أحياء مدنية في حلب والغوطة وحمص وواقعها؟ من سيعيد بناءها؟ أكد فورد أننا اليوم أمام سوريا مختلفة، حتى الشكل الإثني للبلاد تغيّر، كان عدد سكان سوريا قبل الثورة ٢٥ مليون نسمة، واليوم صار حوالي ٢٠ مليوناً. “أعتقد بأن الوضع السوري سيبقى غير مستقر وبأعباء اقتصادية ونسب دمار هائلة، ووفق ما قاله رامي مخلوف، “الأسد أو نحرق البلد”، واليوم لديهم بلد محروق”.
وعن رأيه في مطالبة سيرغي لافروف للغرب بالمساعدة بإعادة إعمار سوريا، أكد فوردأن هذا لن يحصل ببقاء الأسد، مجلس النواب الأمريكي وافق على مشروع قانون “قيصر” بغالبية ساحقة يفرض عقوبات على أي جهات اقتصادية روسية وإيرانية تساعد الأسد، وأعتقد بأن مجلس الشيوخ سيوافق عليه أيضاً، ولا أظن أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب يريد أن ينفق أي مال في سوريا.
وبسؤاله عن نصيحته للرئيس المنتخب ترامب حول سوريا، قال فورد إنه ليس هناك إجابات سهلة اليوم. صراحة لا أعرف كيف يمكن إعادة ترتيب سوريا في وقت قريب. الأهم لأي رئيس هو مصلحة الولايات المتحدة القومية، بخفض تدفّق اللاجئين ومنع المتطرّفين من تطويع مقاتلين، ولا أعتقد بأن مساعدة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي أمر جيد. كما لا يمكن الوصول إلى اتفاق وقف لإطلاق النار بمساعدة روسيا والأسد، لأن الثوار لن يتوقفوا عن القتال. ومن هنا ليست لدي فكرة كيف يمكن الوصول إلى ذلك من دون مساعدة الثوار. لا أعتقد بأن في إمكان روسيا فرض اتفاق وقف لإطلاق نار وأشكك في أن المعارضة ستقبله. ربما بعد سقوط إدلب يمكن روسيا وتركيا التفاوض حول اتفاق كهذا.
ونوّه فورد إلى أنه سيكون أمام ترامب خياران بالنسبة للتعامل مع الأتراك، إما العمل معهم وذلك يعني التصدّي لإيران وروسيا، أو العمل مع روسيا لفرض شروط على تركيا، وإذا فعلوا ذلك فهذا سيعني أن الأسد سيدخل مناطق مثل الحسكة والرقة وسيكون هناك تدفق جديد للاجئين وقد يفتح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحدود أمامهم الى أوروبا، أو قبول سيطرة الأكراد في منطقة روجافا، وهم يشكّلون تهديداً لتركيا. في كلتا الحالتين هناك تهديد لشريك في حلف الأطلسي “الناتو”، ولا أعرف أي خيار سيأخذه ترامب. إنما من المنطقي أن يساعد تركيا في محاولة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وردا على سؤال: كيف تصف رصيد باراك أوباما في سوريا، من موقعك داخل الإدارة لسنوات؟ قال فورد: بداية يجب التنويه بأن أمريكا لم تطلق الثورة السورية، ولم تتحكم بها، بل كانت دائماً قضية سوريا. حتى إيران والسعودية وتركيا لم تتحكّم بها، كنت دائماً أعتقد وأقول إن هناك نوعاً من الاستقلالية للأسد. ولم يكن لدى الأمريكيين يوماً تأثير كاف في السوريين. هذا سجل أوباما ورصيده، أي أنه لم يحاول التأثير في شكل مباشر. قلنا لهم مثلاً تجنبوا تنظيم “القاعدة”، إنما لم نمنحهم بديلاً. وعوضاً عن مساعدتهم في عدم التحوّل إلى “القاعدة”، لم نقدّم سوى الوعظ. ثانياً بدلاً من ممارسة ضعوط على الحكومة العراقية لوقف عبور طائرات التسليح الجوي الإيراني عبر أجوائها إلى سوريا، تجاهلنا الأمر وغضضنا النظر. أنا ذهبت وتحدثت إلى المالكي في عام ٢٠١٢، وقلت له عليك وقف هذه الرحلات، فتجاهلني وقال لي إن العراق “ضد المتطرفين”، وذلك على رغم تحذيراتي بأن تسليح الأسد سيغذّي التطرف. كما أن واشنطن لم تفرض عقوبات على موسكو رداً على ما تقوم به في سوريا.
أما عن نظرته إلى “حماة” اليوم، والتي كان قد زارها في بداية الثورة السورية، أكد فورد أنه عندما ذهب إلى حماة قال لجيفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إنه ذاهب إلى هناك، وكان القرار سهلاً بالنسبة إليه. مضيفا أن “الغاية كانت إبقاء الثورة سلمية، وقلت للمحتجين إذا تسلحتم لن يساعدكم الغرب ولا الجيش الأمريكي، سوريا ليست العراق. وبعدها قلت للحكومة السورية ووزير الخارجية وليد المعلم إن المتظاهرين سلميون ومسؤوليتكم حمايتهم. بعض الناس قالوا لي إن المعارضة السورية فهمت زيارتي لحماة بأننا سندعمها مهما كلّف الأمر. وهذا لم يكن الغرض من الزيارة وأنا لم أقل هذا الكلام إطلاقاً”.