بداية.. روسيا ليست طرفاً محايداً في القضية السورية ذلك أنها منذ اليوم الأول للثورة كشفت عن وجهها الحقيقي كداعم للنظام في وجه مطالب الشعب بالحرية والكرامة، واستخدمت الفيتو أكثر من مرة في مجلس الامن لوئد مشاريع قرارات أممية كانت لو تم اقرارها ستؤذي النظام ولو بشكل غير جذري. ترافق ذلك مع دعم منقطع النظير للنظام بالسلاح والعتاد ولم تتوانى عن استخدام قوتها العسكرية الضاربة والمتطورة في منع تصدع نظام الأسد وبالتالي سقوطه.
كل ذلك كان بمباركة أمريكية وصلت إلى حد تسليم كامل الملف السوري للروس، وبذلك أضحت روسيا دولةً عدوةً للشعب السوري، تقف بكل ثقلها مع نظام استبدادي مجرم.
نفهم أن روسيا، كغيرها من الدول، ليست جمعية خيرية، وأن لها مصالح في المنطقة، وتاريخياً يعتبر النظام السوري من أكثر الذين تعتبرهم أذرعاً لها في هذا الجزء من العالم، وربما خسارة النظام العراقي السابق ومن بعده النظام الليبي كانت قاسية في حينها، بعد هيمنة الولايات المتحدة على القرار في المنطقة، وباتت مستعدة للغوص بكل امكانياتها السياسية و العسكرية في الملف السوري سعياً لاستعادة هيبتها والحفاظ على بعض ماء وجهها.
حاولت روسيا مراراً وتكراراً وبشكل لا يخفى على أحد تصنيع وفود معارضة سورية على مقاسها، مستخدمة الترغيب والترهيب، بشكل أساسي للتهرب من مقررات جنيف وتحديداً فيما يتعلق بهيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات.
أغلب الظن أن روسيا اليوم باتت مقتنعة بأنه لا يمكنها تفصيل الحلول بناءً على رغباتها وحسب ولعل مدة التفويض الممنوحة لها من الأمريكي شارفت على الانتهاء، وما محاولاتها بالانفتاح على جهات معارضة سورية أقرب لنبض الشارع إلا مؤشراً على أنهم فهموا أنه لا يمكن إنجاز حل من خلال مجموعات لا تمثل طموحات و تطلعات الشعب السوري.
يحضر هنا مثال من تاريخٍ ليس ببعيد. “هوشي منه” فاوض أعدائه الأمريكان و قبلهم الفرنسيين بالتوازي مع المعارك الطاحنة التي كانت تدور رحاها على أرض فيتنام، ومن ذلك يمكن تلقف العبرة واسقاطها على الوضع الحالي للمعارضة السورية، وقد يصل البعض إلى القناعة بأن القطيعة بين ممثليها والروس على مدى السنوات السابقة جعلت من الموقف الروسي منحازاً بالمطلق للنظام.
المهم والمفصلي في الأمر التأكيد بأن زيارة السيد أحمد الجربا لروسيا ستعيد التركيز على مقررات جنيف وخصوصا البند الجوهري المتعلق بهيئة الحكم الانتقالي وأن لا تنازل عن هذا الموقف.
بشكل عام، من الصحيح القول بأنه ليس هناك أمل كبير في قرب الوصول إلى تحول جذري في الموقف الروسي حيال الوقوف مع إرادة الشعب السوري في الخلاص من نظام مجرم والانتقال لدولة القانون والمواطنة، لكن من الأهمية بمكان دخول كل القوى الوطنية السورية القريبة من نبض الشارع في حوار جاد مع الروس، ومن هنا أتى قبول السيد أحمد الجربا وفريقه الدعوة لزيارة موسكو علَّها تنتج بوادر حسنة من الروس تجاه الملفات الانسانية مبدئيا مثل وقف قصف المدنيين وفك الحصار عن المناطق التي تتضور جوعاً ومرضاً.
أيمن الأسود – الأمانة العامة لتيار الغد السوري