قالت صحيفة أوبزيرفر البريطانية في افتتاحيتها، اليوم الأحد، إن فشل المجتمع الدولي في التوحد لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا ستكون له عواقب وخيمة ومخيفة، وأن الأخطاء وعدم الوفاء بالالتزامات منذ بدء الثورة ضد نظام الأسد في 2011 لا يمكن حصرها، واصفة النصر الذي حققته المعارضة في حلب مؤخرا بأنه هش، وحذرت دول المنطقة من أنها ستتعرض لتحديات كبيرة إذا استمرت في استخدام سوريا لصالح أجندتها الخاصة.
ومع اعتبار الصحيفة أن الدبلوماسية الدولية عمل جاف وممل ومعقد وتدور في الغالب خلف الأبواب المغلقة، إلا أنه عندما تسوء الأمور يمكن أن تكون النتائج فظيعة وكارثية، وهناك مثال سيء السمعة، بحسب الافتتاحية، هو الإفراط في التسرع عندما اعتراف ألمانيا باستقلال كرواتيا عام 1991 ومثلها فعلت الكثير من الدول، ما ساهم في إطلاق حرب البوسنة. ومثال آخر هو سوريا، حيث لم تعلن الحرب حتى الآن، وهناك 250 ألف شخص محاصر على الأقل، وأكثر من نصف عدد السكان في المدينة مشردون، وفي غضون أسبوع من المعارك الضارضية في وحول مدينة حلب، فإن العواقب المروعة على فشل السياسة الدولية واضحة بشكل مؤلم مرة أخرى.
ونوهت الصحيفة إلى أن الأخطاء والتخبطات و”الخيانات” التي ارتكبها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وواضعي السياسات الإيرانية والتركية والعربية والروسية حول سوريا، منذ بداية الانتفاضة ضد الأسد في عام 2011، هي أكثر من أن نذكرها هنا. في البداية، كان الاعتقاد السائد بين قادة الغرب أن الأسد مثل حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا، لن يبقى في منصبه، ولكنهم كانوا مخطئين. وتبين لهم بعد ذلك أن قوة المجموعات المقاتلة المناهضة للأسد كان مبالغا فيها باستمرار. كما أن افتراضات السياسيين الأوروبيين والأمريكيين إزاء تأييد الملكيات العربية “السنية” بقيادة المملكة العربية السعودية لهذه المجموعات التي تشترك معها في الأهداف كانت خاطئة ومضللة. وجاءت اللحظة محورية في عام 2013 عندما استخدمت قوات الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، ولاح في الأفق التدخل العسكري الأمريكي، ثم ما لبث أن عارض البرلمان البريطاني قرار التدخل بعد رفض حزب العمل لاسيما “إد ميليباند”، على أساس أن البريطانيون لا يزالون يتألمون من التدخل العسكري في العراق، وتبعه الكونجرس الأمريكي. والآن، وبعد فوات الأوان، يبدو أن حملة ضد أهداف عسكرية يمكن أن تضطر الأسد للجلوس إلى طاولة المفاوضات. ولكن وبدلا من ذلك، فإن الخجل الغربي والصمت البريطاني يسود الأجواء والوعد بـ”استراتيجية شاملة” الذي أطلقه ديفيد كاميرون يذهب أدراج الرياح.
وأكدت الصحيفة إلى أنه من نتائج فشل السياسة الغربية والعربية اللافتة الأخرى، كان صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المناطق غير المسيطر عليها في سوريا والعراق، وهي ظاهرة ذات جذور بدأت إبان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. وصعود داعش سببه الفراغ في السلطة التي خلقته الحرب السورية. وقد أبدت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وحلفاؤها العرب انزعاجهم من التهديد الذي يمثله التنظيم على شعوبهم، وتحولت قوة نيران هذه الدول على التنظيم، متناسين محنة المدنيين في سوريا وتوجه مئات الآلاف منهم إلى الغرب، مما تسبب في أزمة لاجئين لا تزال دون حل، فيما رد داعش بتصدير عنفه العدمي إلى قلب أوروبا.
ونتيجة رئيسية أخرى تسببت بها السياسات الغربية الخاطئة، بحسب الصحيفة، تمثلت بترك الباب مفتوحا مرة أخرى في مسرح الشرق الأوسط لروسيا، التي دائما ما تسرع لاستغلال الضعف والتردد الغربي، وأرسل فلاديمير بوتين القاذفات والصواريخ لمساعدة الأسد بالإضافة إلى إيران، لدعم الحليف العربي الرئيسي في موسكو، وتأمين قواعدها في البحر الأبيض المتوسط، ونشر نفوذها فيه وتوجيه ضربة استراتيجية للغرب. فيما لا تزال حلب وأماكن أخرى، حيث لا توجد مستشفيات أو مدارس أو أحياء أو منازل آمنة من الغارات والقصف الروسيين أو أي شكل من أشكال الحرب، بما في ذلك استخدام غاز الكلور المحرم دوليا.
وقالت الصحيفة إنه، وبطبيعة الحال، ليس كافيا ندب هذا الوضع المخيف وتوجيه أصابع اللوم إلى الآخرين، ومع أننا ندين الفظاعات التي تحدث خلال الحرب على الإرهاب والمتمثلة باستهداف تنظيم داعش، إلا أننا نعلم أن الحرب تحرق نفسها بنفسها. ولكن تظل مشاهد الأطفال المقتولين والشوهين كل يوم، ومشاهد الأمة التي تعاني من صدمة هائلة أمام أعيينا، وتداعيات هذا الصراع تمس بشكل مباشر حياتنا اليومية، وله آثار واضحة أكثر من أي وقت مضى ولا مفر من مواجهتها. وإذا كنا لا نشعر بخزي أكثر حدة، ونحن بالتأكيد يجب علينا أن نفعل، وإذا كان بعضنا أكثر من الآخر على خطأ؛ فإن ما يجري لأكثر من خمس سنوات في سوريا لا يعفينا جميعا من المسؤولية الأخلاقية والسياسية والإنسانية، وعلينا دائما المحاولة المرة تلو الأخرى لوقف مسلسل القتل الذي لم يتراجع بل يزيد حدة مع كل يوم يمر.
وختمت الصحيفة: إن المحادثات التي تجرى تحت إشراف الأمم المتحدة في نيويورك لإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب وغيرها من المناطق المنكوبة يجب أن لا تتوقف، رغم التقارير التي تفيد قيام الثوار بكسر الحصار، على الأقل مؤقتا. ويجب أن تعطى هذه المحادثات أولوية قصوى من قبل جميع الحكومات المعنية بالملف السوري. وكذلك المناقشات حول استئناف عملية جنيف للسلام، ويجب أن تحصل هذه المناقشات على دفعة دعم جديدة، ليس أقلها من انخراط أكثر إيجابية بين الولايات المتحدة وروسيا. ويجب على دول مثل إيران والمملكة العربية السعودية أن تعي أنها ستواجه عواقب وخيمة إذا ما استمرت في استخدام سوريا كورقة لتنفيذ أجنداتها الإقليمية. والأهم من ذلك كله، يجب على المجتمع الدولي أن يتوحد في إجبار الأسد على التنحي. فالسلام ممكن تحقيقه في سوريا، وقد يكون هناك أمل في كسر دائرة العنف برحيله.