قال الدكتور محمد خالد الشاكر مدير مكتب الدراسات والبحوث في تيار الغد السوري، في حديث لقناة “cbc- extra” إنّ الصراع في سوريا أصبح حروبا للآخرين، وأصبحت معه سوريا رقعة الشطرنج التي تصفي عليها الدول الإقليمية والدولية حساباتها السياسية والاقتصادية، وأنّ الشعب السوري أصبح ضحية براغماتية دولية وإقليمية، ساوت بين أعداء وأصدقاء سوريا، لذلك لاحل بدون تحالفات داخل القوى السياسية الديمقراطية للمعارضة السورية، والعودة إلى العملية التفاوضية.
وحول سؤاله عما يجري في حلب، قال الشاكر: “حتى نفهم مايجري في حلب علينا أن نسأل عن موقع العملية السياسية، التي كان من المفترض أنْ تبدأ في بداية آب/أغسطس الجاري، لكن ماحدث كان العكس”.
وبالنسبة للتحالفات واللقاءات الأخيرة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ، والزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أنقرة، والذي صرح أنه سيصلي الجمعة مع أردوغان، حمّل الشاكر كل من تركيا وإيران مسؤولية مايجري في سوريا، متسائلاً عن موقع المعارضة المعتدلة، بعد اُختصرت الساحة بطوفان المد الجهادي والتنظيمات والميليشيات الراديكالية الطائفية، التي تقف وراءها أجندات إقليمية، غيبتْ فكرة الوطن السوري، لصالح جماعات لاتؤمن بفكرة الوطن أو العملية السياسية.
وأضاف مدير مكتب الدراسات والبحوث في تيار الغد السوري: يخطأ من يظن أنّ الصراع في سوريا سيحسمه الحل العسكري، معتبراً ذلك استحالة مطلقة، وهي حقيقة تدركها جميع القوى، سواء أكانت روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو تركيا وإيران.
أما أسباب انقلاب المعادلة في سوريا لصالح التنظيمات الجهادية وحركات الإسلام السياسي، بعد عن أنْ أصبح الجيش السوري الحر قاب قوسين أو أدنى من دمشق، أوضح الشاكر أنّ الدول الداعمة مازالت منذ أكثر من خمس سنوات، تستمرئ مسألة تحرير المناطق جغرافياً، دون أنْ تقوم بتأهيل هذه المناطق خدمياً وأدارياً، أو تأمين ممرات إنسانية تؤمن على أقل تقدير أبسط مستلزمات الاستمرار في الحياة.
وتابع الدكتور الشاكر: “الآن مازالت هذه اللعبة القديمة الجديدة، تمهد لإطالة أمد الصراع أكثر فأكثر، وتزيد من معاناة السوريين، بعد أنْ ولّدت كوارثاً انعكست على المعارضة المعتدلة وعلى أداء الجيش السوري الحر في مراحل سابقة، في الوقت الذي مازال فيه الآلاف من المنشقين من المؤسسة العسكرية السورية يعانون ويلات اللجوء في المخيمات التركية، بينما تستحوذ التنظيمات الجهادية على الدعم الإقليمي الذي أهلها لأن تتصدر الواجهة؛ بعد أنْ أصبحت هذه التنظيمات الجهادية تهدد بمحو السوريين ثقافياً، وتهدد بمستقبل الدولة السورية المدنية التعددية، فأبناء المناطق الخاضعة للتنظيمات الجهادية، مازالوا بدون مدارس منذ خمس سنوات، مايهدد بجيل من الأمية وأشبال الخلافة”.
وتابع مدير مكتب الدراسات والبحوث في تيار الغد السوري: “أنّ الدول الاقليمية التي جعلت من الصراع السوري رقعة الشطرنج لتصفية حساباتها هي ذاتها التي دفعت إلى إجهاض الحراك المدني؛ وحوّلت سوريا إلى بؤرة للجهاديين في العالم، وهي ذاتها التي جعلت من المناطق المحررة، مجرد ورقة سياسية، غير مكترثة بمعاناة السوريين، الذين طالما تركتهم، منذ أكثر من خمس سنوات، عرضة للقصف العشوائي لطيران النظام، وتركت مناطقهم مستباحة للمنظمات الجهادية التي تتأسس في الفراغ والفوضى.
وحول ما جرى في حلب من تطورات ميدانية قال الشاكر: “لقد فرحنا بفك الحصار عن أخواننا وأهلنا في حلب، ونأمل أيضاً أن يفك الحصار عن جميع المدن والمناطق السورية، وأنْ لا تكون العملية مجرد استحواذ على رقعة من الأرض السورية كورقة ضغط لهذه الدولة أو تلك، أو من أجل عرقلة العملية السياسية والمفاوضات، أو في إطار وضع السوريين تحت الأمر الواقع الذي يهددهم بشبح التقسيم، لاسيما وأنّ الأوضاع الحالية في حلب تنذر بكوارث إنسانية، بسبب فقدان الماء والكهرباء، وغياب أدنى مستلزمات الاستمرار في الحياة، بسبب القصف والحظر الذي يفرضه طيران النظام على الممرات التي تصل إلى حلب الشرقية، وكأنّ على السوريين أنْ يدفعوا في كل مرة ثمن التجاذبات بين القوى الدولية والإقليمية، التي تلتقي فيما بينها وتتبادل الزيارات في سبيل مصالحها على حساب موت السوريين اليومي.
ونوّه الشاكر إلى أنّ معركة حلب الأخيرة كسرت ظهر “المشروع الإيراني” الذي أخذ على عاتقه إطالة أمد الصراع في سوريا بالاعتماد على الحل العسكري، كما أن معركة حلب نتيجة لمعركتي ريف حلب الشمالي، ومعركة ريف حلب الجنوبي، ففي المعركة الأولى، أصاب الغرور إيران وميليشياتها، التي وجدت فيها فرصة لتوريط النظام في تأكيد الحسم العسكري، وهي تدرك “إيران” استحالة ذلك، كما وجدت فيها روسيا فرصة لتوجيه ضربات موجعة للمعارضة، انتقاماً من الأتراك بسبب إسقاط الطائرة الروسية، بينما لم تتدخل روسيا في المعركة الثانية “معركة ريف حلب الجنوبي”، تخوفاً من دور إيراني يكرر الخطأ الأمريكي في العراق.
وحول دور المعارضة في إمكانية إيجاد مخرجات لما يحصل الآن من عقم للعملية السياسية، دعا الدكتور الشاكر المعارضة السورية المعتدلة إلى ضرورة التوحد وإيجاد مخرجات محددة، قادرة على تكوين تحالفات سياسية، معتبراً ” إنّ الائتلاف أصبح جسماً هرماً، وغير قادر على أنْ يخرج بعملية سياسية، بسبب بسبب التناقضات الايديولوجية الحادة داخل الائتلاف ذاته، كما توزعه في التبعيات والمرجعيات لجهات ودول هي الأخرى متناقضة إيديولوجياً ومصلحياً فيما بينها، بما فيها الهيئة العليا للمفاوضات”.
وتابع الشاكر: “إنّ بعض أعضاء الائتلاف ساهموا في دعم الحركات الجهادية وتأسيس داعش، بعد أنْ تلقوا أوامر من جهات إقليمية، فقطعوا الإمدادات عن فصائل معتدلة بعينها، وطلبوا منها أنْ يعلنوا تبرأهم عن الجيش السوري الحر، والتحول إلى فصائل وتنظيمات جهادية، فاندمج بعضها في تنظيمات مصنفة على قائمة الإرهاب، ومنها بايع داعش بعد أنْ تقطعت بهم السبل.
وحول “مثلث” اللقاءات التركية الروسية الإيرانية التي تمت مؤخراً، بعد زيارة أردوغان لروسيا، وزيارة ظريف لتركيا، وهل يمهد ذلك لدفع العملية السياسية قدماً نحو تغير المواقف؟.. قال الشاكر: “هذا لاينفك عما تحدثنا به سابقاً، فتركيا وإيران لعبتا دوراً بارزاً في أسلمة الثورة، من خلال دعم الأولى جميع جميع حركات الإسلام السياسي، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين، ولم تأخذ على عاتقها سوى طيف سياسي واحد من الأطياف السورية، بالمقابل اشتغلت إيران على تثوير العوامل الطائفية من خلال مشروعها في المنطقة القائم على تثوير الانقسامات الطائفية والفوضى، وذلك بتصدير نظرية ولاية الفقيه، التي تقوم على مبدأ دستوري في النظام السياسي الإيراني، يستند على إقامة الدولة الإسلامية الجامعة والجهاد المستمر، فدفع الشعب السوري “ومازال” ثمن هذه الأسلمة وهذا التطييف، الذي تحوّل إلى صراع دولي وإقليمي بامتياز.
وحول أسباب هذه التجاذبات التي أدت إلى تعقيد الحالة السورية، قال مدير مكتب الدراسات والبحوث في تيار الغد السوري: إنّ الصراع الدولي والاقليمي في سوريا، جاء في خضم بنية جديدة للنظام الدولي، تنأى عن الصراعات الايديولوجية لصالح مبدأ التنافس الاقتصادي، وقد سمى هنري كيسنجر صراعات المنطقة العربية الآن بالصراعات الكلاسيكيىة، التي تشبه صراعات القرون الوسطى، التي تقوم على العوامل الدينية، وأنّ هذه العقلية انتهت لصالح التنافس الاقتصادي أومايسمى بـ ” دبلوماسية الأندية”، التي تقوم على تحالف مجموعة من الدول تتقاطع مصالحها الاقتصادية فيما بينها، وهومايحصل الآن بين تركيا وإيران وروسيا، ولعل ماحدث في لقاء أردوغان وبوتين بشأن مرور الغاز الروسي إلى أوربا خيردليل ذلك.. وتساءل الشاكر: “لنسأل كم مرة زار أردوغان إيران خلال الصراع السوري، في الوقت الذي مازالت فيه صراعات القرون الوسطى، القائمة على الايديولوجيات والحصارات والتجويع، تدورعلى الأرض السورية وفوق رؤوس السوريين دون غيرهم، وفي الوقت الذي كانت فيه حلب عاصمة الاقتصاد السوري والشرق الأوسط، تُنهب وتُباع مصانعها كـ”خردة” في الأسواق التركية.
وعن رؤيته للحل في سوريا، ختم الشاكر بقوله: “ليس أمام السوريين إلا أنْ يعوا خطورة ما يجري للخروج مما هم فيه، وإلا فأننا مهددون بمحو حضاري، ولاسبيل أمامنا إلا الاتفاق على إرادة سورية تُخرجنا مما نحن فيه من كوارث.. إرادة سورية تنطلق من قدرة المعارضة المعتدلة على تشكيل تحالف أوجسم سياسي يعمل على سوريا الدولة المدنية الديمقراطية، التي تحترم جميع المكونات السورية تحت السقف الوطني، وذلك بالبدء بعملية سياسية جادة، والعودة إلى المفاوضات.
لمشاهدة اللقاء كاملا انقر هنا