عمران دقنيش أبكى العالم ولم يبك

جلس الطفل عمران دقنيش ذو السنوات المعدودة على أصابع اليد الواحدة داخل سيارة إسعاف مغطى بالغبار والدماء تسيل من وجهه، بعد أن حمله أحد السعفين الشباب وبدأ يحدق مذهولا في جموع الملتفين حوله من مسعفين ونشطاء بعد دقائق على إنقاذه من غارة استهدفت منزله بحي القاطرجي بمدينة حلب.

اكتفى عمران دقنيش بمسح الدماء التي غطت جبينه وعينه وخده الأيسر بيده الصغيرة ثم عاينها بهدوء ومسحها بالمقعد دون أن يبدي أي ردة فعل وكأن الدماء والغبار باتا من طبائع الأمور المعاشة يوميا في حلب وكل مكان في سوريا.. إنها صورة من آلاف الصور التي تجسد المأساة السورية المتعاظمة التي تبدو بلا نهاية ولا أفق وسط عجز وتواطؤ دولي واستشراس من نظام الأسد وداعميه للقضاء على ثورة هذا الشعب وتدمير هذا البلد تنفيذا للشعار التي كانت تحفل به الشوارع بلافتات النيون “الأسد أو نحرق البد”.

وقد غزت صورة عمران دقنيش التي التقطها المصور محمود رسلان، ووثقت هذه اللحظة المأسوية، مواقع التواصل الاجتماعي أمس الخميس واليوم الجمعة إلى جانب مقاطع فيديو نشرها مركز حلب الإعلامي تحت هاشتاغ #عمران_من_تحت_الركام، حيث عبر الآلاف عن حزنهم وتأثرهم بالصورة التي وثقت إنقاذ عمران وأسرته.

وقال المصور محمود رسلان (27 عاما) لوكالة الصحافة الفرنسية “التقطت العديد من صور الأطفال القتلى أو الجرحى جراء الغارات اليومية” التي تستهدف الأحياء المحررة في حلب، “في العادة يفقدون وعيهم أو يصرخون، لكن عمران كان يجلس صامتا، يحدق مذهولا كما لو أنه لم يفهم أبدا ما حل به”.

وأوضح المصور “كانت الساعة قرابة السابعة والربع بالتوقيت المحلي حين سمعت دوي غارة وتوجهت فورا إلى مكان القصف حيث كان الظلام قد حل لكنني رأيت مبنى دُمر بالكامل وقربه مبنى آخر مدمر جزئيا” في إشارة إلى المبنى حيث منزل عائلة عمران بالطابق الأول.

واعتبر رسلان أن عمران “يلخص معاناة الأطفال في حلب الذين يتعرضون يوميا للقصف حتى وهم داخل منازلهم”. وأضاف “كان علينا تخطي ثلاث جثث مع مسعفي الدفاع المدني قبل دخول المبنى، أردنا الصعود إلى الطابق الأول لكن الدرج انهار تماما”. وإزاء ذلك، اضطروا للتوجه إلى مبنى ملاصق “وسحب أفراد عائلة عمران الواحد تلو الآخر من شرفة لشرفة، وعندما وضعوا عمران داخل سيارة الإسعاف، كانت الإنارة جيدة واستطعت التقاط الصور”.

وانتشل المسعفون بادئ الأمر عمران ثم شقيقه (خمس سنوات) وشقيقتيه (ثمانية و11 عاما) وبعدها الأب والأم، وجميعهم أحياء، وأوضح رسلان أن الطفل “كان تحت هول الصدمة لأن حائط الغرفة انهار عليه وعلى عائلته” لافتا إلى أن والده وبعد إنقاذه رفض التقاط الصور أو الكشف عن شهرة العائلة. ووفق رسلان، فإن “هذا الطفل كما سائر أطفال سوريا هم رمز للبراءة ولا علاقة لهم بالحرب”.

من جهته، قال يوسف صديق مدير مركز حلب الإعلامي، اليوم الجمعة، إن المئات من الأشخاص والمؤسسات الصحيفة تواصلوا معهم بشأن الطفل السوري “عمران”، في حين لم يتواصل معهم أي مؤسسات معنية بالأطفال.

وأضاف صديق، في مداخلة هاتفية مع قناة “العربية الحدث”، اليوم الجمعة، أن هناك مبادرات شخصية عرضت مساعدة الطفل “عمران” وأسرته، ولكن والد الطفل وأهله رفضوا المساعدة ولا يريدون الخروج على وسائل الإعلام أيضًا، مشيرًا إلى أن شقيق عمران بين الحياة والموت ووالدته وشقيقه الآخر مصابان، بعد قصف منزلهم.

تعليقات الفيسبوك