أطول حصار في التاريخ القديم هو حصار البابليين بقيادة ملكهم “نبوخذ نصَّر” لمدينة صور الكنعانية في لبنان، والذي استمر لمدة ثلاثة عشر عاماً بدءاً من عام ٥٧٢ قبل الميلاد حيث صمدت المدينة ولم تستسلم، الأمر الذي أجبر البابليين على فك الحصار والعودة إلى بلدهم.
أما في العصر الحديث فقد وقعت خمس حالات شهيرة للحصار هي:
١- حصار الكوت في العراق: حصار ضربه العثمانيون على القوات الإنكليزية في تلك المدينة من ٧ كانون الأول/يناير ١٩١٥ إلى أن استسلم الإنكليز يوم ٢٩ نيسان/أبريل ١٩١٦ أي بعد مرور ١٤٧ يوما.
٢- حصار لينينغراد: ٥٤٦ يوم.
٣- حصار بيروت ١٩٨٢ لمدة ثلاث أشهر، في نهايتها يوم ١٨ آب/أغسطس ١٩٨٢ أجْبِرَتْ منظمة التحرير الفلسطينية على الخروج من لبنان إلى تونس واليمن.
٤- حصار سيراييفو من ه نيسان/أبريل ١٩٩٢ وحتى ٢٩ شباط/فبراير ١٩٩٦ (١٤١٥) يوما أي أطول ثلاث مرات من حصار ستالين غراد وأكثر بسنة من حصار لينينغراد.
٥- حصار كنيسة المهد في مدينة بيت لحم من ٢ نيسان/أبريل ٢٠٠٢ ولغاية ١٠ أيّار/مايو ٢٠٠٢ (٣٨) يوم.
حصار داريا..
بحسب إحصاء عام ٢٠٠٧ بلغ عدد سكان داريا (معقل الغساسنة) ٢٥٥٠٠٠ نسمة. وفي يوم ٢٥ آذار/مارس ٢٠١١ قامت أول التظاهرات في المدينة ضد النظام.
بدأ حصار النظام الفعلي للمدينة اعتباراً من ١ أيّار/مايو ٢٠١١ وحتى الثلث الأخير من شهر تموز/يوليو عام ٢٠١٦ أي ما يُقارب الـ(١٩٤٢) يوما، ما يعني أنّه أطول حصار شمولي بعد الميلاد.
ليس حصاراً وحسب وإنما عمليات قتل للبشر من خلال العطش والجوع وانعدام الدواء والقصف المستمر ومحاولات الاقتحام المتواصلة، ومن خلال التدمير بالبراميل والصواريخ وأسلحة التدمير الشامل.
فقدت داريا أنواع المؤازرة والدعم حتى من أقرب المقربين أو على الأقل المفترضين.
لم يبقَ أمامهم حفاظاً على أطفالهم.. حفاظاً على النسل وديمومة الحياة إلى أن يتركوا المكان لحين تأمين أبنائهم ونسائهم في مكان آمن.
الطعنات التي تلقاها مقاتلو الغساسنة في داريا بشكل خاص وأهاليها بشكل عام لم يشهد لها التاريخ مثيلاً أو شبيهاً على الإطلاق لا سيما بعد أن تمكّن النظام بالتعاون مع الميليشيات الدينية الحاقدة القادمة من أحضان إيران من قطع الاتصال بينها ومعضمية الشام التي كانت تعتبر المنفذ اللوجستي الوحيد للمدينة المبتورة.
يتحدث البعض عن صفقة “مقايضة” في الخفاء مفادها: “داريا مقابل جرابلس” وهذا يعبّر عن قِصر في النظر يؤدي بالضرورة إلى خلل في التحليل ومن ثم الاستنتاج.
لو عرفنا أطراف المفاوضات لابتعدنا عن تلك الأحاديث.
لو فكّرنا أنّ الجيش الحر لا يساوم ولن يساوم، لأنكرنا تلك الأحاديث جملة وتفصيلا.
لا شك أن ترك المقاتلين لداريا يشكل نكسة، وستزول آثارها ومفاعيلها النفسية مبدئياً بمجرد أن نقتنع بأنه خروج مؤقت وأنهم عائدون.
مطيع السهو – تيار الغد السوري