بعد انتهاء عملية إجلاء سكان الأحياء الشرقية في مدينة حلب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، يتطلع كل من نظام الأسد وحليفه الروسي لعقد اجتماع مع المعارضة مطلع كانون الثاني/يناير القادم.
حيث استغلت موسكو الفراغ السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيق استراتيجيتها الخاصة في سوريا، حيث قال أحد قادة الحزب الوطني الاشتراكي السوري، تعليقاً على الاجتماع المزمع إجراؤه بين المعارضة والنظام برعاية موسكو، إن “الاجتماع سينعقد بين طرفي النزاع مطلع سنة 2017. في المقابل لا زال الطرفان لم يتفقا حول مكان اللقاء، حيث إن هناك دعوات لعقده في مطار دمشق الدولي لأسباب أمنية”.
وقالت صحيفة “لاكوي” الفرنسية في تقرير لها إن هذا الاجتماع لم يكن ليرى النور لولا تقديم روسيا ضمانات من أجل الحفاظ على أمن المشاركين في المفاوضات خلال هذا الاجتماع. ونجد على قائمة المشاركين، حزباً سورياً علمانياً داخلياً، تأسس مطلع سنة 2016، ثم أصبح يدير نشاطاته من مصر.
ويبدو أن روسيا، التي بادرت بطرح فكرة عقد مصالحة سورية، تطمح للعب دور “عراب الحوار السوري السوري”، ما يعزز دورها في رسم ملامح الحياة السياسية المستقبلية في سوريا.
وعلّق أحد قادة الحزب الوطني الاشتراكي السوري على الاجتماع قائلاً: “إن دعوة جميع أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج، يعكس مدى قوة تأثير روسيا في الملف السوري، ومدى رغبتها في رعاية حوار بين كل الأحزاب السورية بمختلف أيديولوجيتها”.
ومن جانب آخر، تفضِّل روسيا أن يجتمع السوريون مع النظام في العاصمة دمشق، ما يحمل رسالة ضمنية مفادها أن روسيا تقف في صف “السيادة السورية” المتمثلة في النظام الحالي، وهو ما دافعت موسكو عنه كثيراً.
وقد استبعدت روسيا بعض الأطراف التي ترى أنها تشكل خطراً على سير المفاوضات السورية السورية، ومن بينها رياض حجاب، وهو ما يعكس أيضاً رغبتها في التقليل من قيمة الدور السعودي في الأزمة السورية.
وتجدر الإشارة إلى أن المعارضة السورية المستقبلية ستحافظ على سلمية المفاوضات القادمة وفقاً لشروط وضعتها روسيا مسبقاً، لأن موسكو تطمح دائماً للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والأمنية في سوريا.
وفي سياق آخر، تحدث أحد المقربين من نظام الأسد قائلاً: “لم يفهم العالم الغربي بعد أن الحضور الروسي سيبقى على المدى الطويل في سوريا، فليتأملوا فقط المخطط الجديد الذي تهدف من خلاله موسكو إلى ضمّ كل من مطار وميناء طرطوس للقاعدة البحرية الروسية”.
وأضاف أن “التدخل الروسي كان يقتصر على حماية النظام فقط في سنة 2015، أما الآن فقد أصبحت الذراع العسكرية الروسية متعاونة مع ضباط سوريين يقاتلون على عين المكان. كما قاد الروس مؤخراً مفاوضات مع بعض قوات المعارضة المسلحة من أجل تأسيس علاقة جديدة مع النظام”.
وقد تطور التأثير الروسي داخل سوريا ما سمح لها بالتحكم تقريباً في كل أدوات الصراع، وهو ما تجلى في التقارب الشديد بين الطرفين، بهدف توجيه رسائل ضمنية لكل أطراف النزاع السوري؛ من ثوار ورجال أعمال وعسكريين وبرلمانيين.
في المقابل، صرّح إليان مسعد، الأمين العام لحزب “المؤتمر الوطني من أجل سوريا علمانية”، بأنه “ليس من أولويات موسكو دعم بشار الأسد، بأي ثمن، بل تطمح للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية، لكي لا تنهار نهائياً كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. وبالتالي فإن هذا الاجتماع سيمهد الطريق لعدة لقاءات أخرى، ربما نتفق فيها حول مرشح مناسب لخلافة بشار الأسد”.
في الواقع، إذا نجحت المفاوضات السورية السورية، فإن ذلك سيؤشر على بداية العد التنازلي لأيّام بشار الأسد في الحكم، وسيعمل الروس على مغادرته السلطة من الباب الكبير، فهم يعتقدون أن هذا الحلّ يرضي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي.
وفي نفس السياق، قال الدكتور إليان مسعد إن “بوتين يفكّر في تنظيم انتخابات رئاسية يخسر فيها بشار الأسد بنسبة 45% من الأصوات، وليس بنسبة 90% كما جرت العادة”. وأضاف مسعد أن “موسكو تدرس منذ فترة شروط المرشح لخلافة بشار الأسد، وسيكون هذا التصويت الأخير بمثابة هدية تقاعد روسية للأسد”.
من جانب آخر، اتفقت كل من تركيا وروسيا وإيران في 20 كانون الأول/ديسمبر على إقصاء الغرب من “اللعبة”. واتفقوا أيضاً على تمديد مهلة وقف إطلاق النار مع حرية تنقل السوريين، ووصول المساعدات الإنسانية دون عراقيل. وقد أكدت كل من موسكو وأنقرة وطهران استعدادها التام لضمان السير العادي لعملية الحوار بين النظام والمعارضة.