نهج الرئيس الأمريكي المنتخب “دونالد ترامب” تجاه الصراع في سوريا ينطوي على مواقف متناقضة محيرة، ويبدو أن موقفه الأخير، الداعي لإنشاء منطقة آمنة في سوريا، جاء نتاج محادثاته الأخيرة مع مرشحين لمنصب وزير الخارجية التقاهم مؤخرا.
لكن جميع بياناته تحمل في طياتها لغزا كامنا، فهناك وجهتا نظر متناقضتان سيكون من الصعب الجمع بينهما في سوريا، رغبته المعلنة في التعامل مع روسيا أو على الأقل إرضاء الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” وجهوده المتوقعة لاحتواء إيران. وبالإضافة إلى التساؤل حول إذا ما كان ترامب سيحاول تمزيق الاتفاق النووي، هناك أيضا قضية قوة إيران الصاعدة في المنطقة.
لم يخف ترامب إعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورغبته في العمل معه، وذلك أثناء حملته الانتخابية للرئاسة الأمريكية التي فاز بها. لكنه اختار ثلاث شخصيات في إدارته الجديدة مهيئين على ما يبدو لخوض صراع ضد إيران، وهم الجنرال مايكل فلاين مستشارا للأمن القومي، وجيمس ماتيس وزيرا للدفاع، ومايك بومبيو مديرا لوكالة المخابرات المركزية “سي آي إيه”.
ولعبت إيران دورا محوريا في سوريا وفي الإبقاء على بشار الأسد في السلطة وسحق المعارضة المسلحة في حلب. لكن روسيا وإيران تعملان معا بشكل وثيق في سوريا، حتى لو لم يكن الاتفاق تاما حول كل الأمور، بما في ذلك محصلة صفقة.
وترى راندا سليم، المحللة السياسية في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، بعدم وجود أية مؤشرات من أي من المحيطين بترامب على أن لديهم صيغة تتيح لترامب توفيق هذين الموقفين المتناقضين تماما في سوريا. وتضيف “يمكن لترامب التفاوض مع روسيا لكن إذا لم يكن مستعدا للقبول بصيغة تسمح للأسد بالبقاء في السلطة فسيكون من الصعب التعامل مع الإيرانيين”.
ويحتاج الرئيس المنتخب عقد صفقة تحظى بقبول المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى المنخرطة هي الأخرى في الصراع السوري.
وشهد الأسبوع الماضي ولأول مرة دعوة ترامب بإقامة “مناطق آمنة” في سوريا. ولا تبدو هذه الدعوة اقتراحا متفقا عليه، بل مجرد موقف اعتمد على معلومات مستقاة وآراء من محادثات مع مرشحين محتملين لمنصب وزير الخارجية، مثل مدير “سي آي إيه” الأسبق الجنرال ديفيد بترايوس، الذي كان ومازال يدافع عن إقامة مناطق آمنة.
وقال ترامب أثناء مؤتمر في ولاية فلوريدا “سوف نحاول تسوية ذلك وسوف نحاول مساعدة الناس، وسوف ننشئ مناطق آمنة، وسنطلب من دول الخليج أن تمول إنشاء تلك المناطق”. وتسبب هذا الإعلان في خلاف بينه وبين روسيا وإيران، وتقدمت كلا منهما خطوات للأمام مع تركيا فيما يتعلق بالتوصل لتسوية سياسية في سوريا.
فموسكو وطهران لا ترغبان في انشاء تلك المناطق الآمنة، إذ أن ذلك قد يساعد المعارضة المسلحة على إنشاء مناطق خاصة بها لتجميع قواها والاستمرار في القتال ضد الأسد.
وركز ترامب، إبان حملته الانتخابية، على القتال ضد تنظيم داعش، وأشار في الوقت ذاته إلى رغبته في التوقف عن دعم المعارضة السورية. وهو ما قوبل بترحاب من بشار الأسد فور إعلان فوز ترامب بالانتخابات.
وقال الأسد لتليفزيون برتغالي في 9 تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، “لو أن ترامب سيحارب الإرهابيين، بالطبع سوف نكون حلفاء، طبيعيا سنتحالف في هذا الصدد مع الروس والإيرانيين والعديد من الدول الأخرى”.
وعلى أرض الواقع قد يظهر انقسام في سوريا، حيث تُنهي كلا من روسيا وإيران سحق المعارضة المسلحة، بينما تكثف الولايات المتحدة حملتها ضد تنظيم داعش.
لكن هذا سيمنح إيران مزيدا من الجرأة، وسيتعارض مرة أخرى مع وجهات النظر القوية لفريق ترامب الجديد للأمن القومي، وكان الجنرال جيمس ماتيس، قد أكد على أن إيران هي الخطر الأكبر ضد الولايات المتحدة وردد اسمها ثلاث مرات “إيران، إيران، إيران”.
لكن المسؤولين الإيرانيين يعيشون في نشوة التقدم في مدينة حلب. حيث قال مسؤول عسكري إيراني كبير “حلب تحررت بفضل التحالف بين إيران وسوريا وروسيا وحزب الله اللبناني”.
وقد تكون السعودية مستعدة لعقد صفقة مع روسيا تساعد المملكة في تخليص نفسها من المستنقع السوري، الذي تورطت فيه منذ خمس سنوات دعمت خلالها المعارضة المسلحة بدون تحقيق أي إنجاز كبير.
لكن بالنسبة لدول الخليج فإن صعود إيران يظل مصدر القلق الرئيسي، في ظل مخاوف متنامية من هلال شيعي يمتد من إيران حتى لبنان مرورا بسوريا والعراق.
وقال فيصل بن فرحان، رجل أعمال ومحلل سعودي في الرياض، “يمكن للروس والأمريكان التوصل لاتفاق يخفف من نفوذ إيران في سوريا. ربما لن يكون حلا تاما أو مرضيا أفضل من استمرار الصراع الطاحن”.
والمحرك الرئيسي لهذا الاتفاق قد يكون من خلال مستشاري ترامب الذين يطلبون منه “عمل شيء يوقف إيران ويحد من دورها كلاعب رئيسي مسؤول في سوريا”. وقد يكون من الصعب التوصل لصيغة هذه الصفقة: لأن إيران ليس لديها أية دوافع للقبول بها ومن غير الواضح أن روسيا سوف تضغط عليها من أجل هذا.
لكن اختيار ترامب للثلاثي الهام في إدارته في وزارة الدفاع والأمن القومي والمخابرات طمأن حلفاء أمريكا في الخليج، الذين شعروا أن حرص الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما على توقيع اتفاق نووي مع إيران جاء على حسابهم ومنح طهران المزيد من الجرأة، لتغذي الصراعات الإقليمية بما في ذلك اليمن.
ويوضح بن فرحان “لا نشعر بارتياح لحقيقة أنهم (في إشارة إلى الثلاثي المهم في إدارة ترامب) صارمون في مواجهة إيران، لكن لديهم نظرة واقعية حول دور إيران في المنطقة، والشعور بأنها تلعب دورا سلبيا في الشرق الأوسط”.
لكن مع هذا يبقى اللغز الرئيسي في كيفية التوفيق بين هذا النهج نحو إيران مع الإبقاء على الرغبة في التعامل مع روسيا في سوريا.