تناولت عشرات الصحف الكبرى حول العالم قصة إنقاذ الطفل عمران دقنيش وأسرته في حي القاطرجي بمدينة حلب إثر تعرض المنزل الذي تسكن فيه لقصف جوي نجم عنه انهيار المنزل ونجاح فرق الإنقاذ في انتشال الطفل وأسرته أحياء فيما قضى آخرون.
حيث تصدرت صورة الطفل عمران أغلفة عدة صحف عالمية كنيويورك تايمز اﻷمريكية وصحيفة الباييس اﻹسبانية والغارديان البريطانية وريبوبليكا اﻹيطالية وساوث تشاينا مورنينج بوست الصينية وصحيفة دي فيلت الألمانية، كما أثار فيديو ظهرت فيه مذيعة قناة الـCNN كيت بلدوان وهي تبكي على عمران آلاف المتابعين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وغزت صورة عمران وهو يجلس على مقعد داخل سيارة إسعاف والغبار يغطي جسده والدماء على وجهه مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب مقاطع فيديو نشرها مركز حلب الإعلامي. هذه الصورة، التي يبدو فيها الطفل السوري مذهولا ولا ينطق بكلمة، استأثرت باهتمام كثير من وسائل الإعلام الألمانية، حيث اعتبرتها توثيقا لفظاعة الحرب الدائرة في حلب.
فيما قال جان أليسون، نائب الأمين العام للأمم المتحدة، للـ CNN: “أعتقد أن العالم بأجمعه خذل سوريا والشعب السوري، وهذا تمثيل للمعاناة الحقيقية التي تمر فيها سوريا والشعب السوري، نحن نتحدث عن هذا الأمر أحيانا على أنه كابوس، لكن هذا أسوأ من كابوس لأن الفرد يستيقظ من الكابوس ولكن في سوريا يستيقظون إلى كوابيس أكثر.”
وأضاف أليسون: “آمل أن هذه الصورة وصور أخرى مثل صورة الطفل آلان وصور أخرى مثل الفتاة المحروقة في حرب فيتنام سيكون لها تأثير على الناس وعلى الحكومات وعلى الجميع الذين يمكنهم التأثير على الوضع على الأرض”.
من جهته، اعتبر المتحدث باسم الخارجية جون كيربي أن عمران يمثل “الوجه الحقيقي للحرب”، وقال “هذا الفتى الصغير لم يعرف يوما في حياته إلا الحرب، والموت والدمار والفقر في بلاده”، ووصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية صورة الطفل عمران بـ”المفجعة”، مضيفاً أنها تعيد إلى الأذهان أهمية وقف أعمال العنف وإيجاد حل دبلوماسي للصراع الدائر في سوريا.
هذا فيما قال روبرت فورد، السفير الأمريكي في سوريا، عبر حسابه على موقع “تويتر” أن الطفل قد يكون نجا من الموت في هذه الغارة ولكنه معرض للموت مع استهداف وقصف المراكز الطبية في سوريا.
أما صحيفة الغارديان البريطانية فاعتبرت من خلال مقال لمراسلها كريم شاهين في بيروت أن صورة الطفل عمران رمزا للرعب في سوريا، وأضاف شاهين أن عمران الطفل ذي الخمسة أعوام بدا ذاهلا وهو جالس على كرسي عربة الإسعاف برتقالي اللون، وكان يغطي وجهه بيده المغطاة بخليط من الدماء والتراب.
ونقل شاهين عن مصطفى الساروت الذي صور الفيديو الذي انتشر انتشارا واسعا: “رأيت أطفالا كثيرين ينقذون وسط الأنقاض في الحرب، ولكن هذا الطفل ببراءته، لم يكن يدري ما يحدث”، وأضاف “صورت الكثير من الهجمات الجوية في حلب، ولكن وجهه كان يحمل الكثير”.
وقال الطبيب محمود، الذي كان يعنتني بعمران فور وصوله المستشفى، إنه فوجئ بدرجة الذهول التي أصابت الطفل: “كان خائفا ومصدوما. كان جالسا في أمان في المنزل. وربما كان نائما. وانهار البيت فوقه. عندما كنا نعالجه لم يكن يصرخ أو يبكي. كان ذاهلا فقط”.
كما نقلت الصحيفة شهادة الطبيب زاهر سحلول الذي عمل في حلب وكان شاهدا على الآثار المروعة للهجمات الجوية، حيث قال: إن الحوادث مثل تلك التي تركت عمران ذاهلا فزعا تكثر في حلب التي تعاني من القصف والحصار منذ وقت طويل.
وقال سحلول إنه يحتفظ برسومات رسمها طفل في السابعة يعاني من الصدمة لطائرات مروحية تقصف المدينة ودماء ودمار، ولكن أكثر ما لفت انتباهه في رسوم الصغير هو أنه رسم الأطفال الموتى مبتسمين بينما رسم الأطفال الأحياء باكين.
وقالت DW: تحت عنوان عمران دقنيش.. وجه هذا الطفل يلخص المأساة في حلب، إن العديد من الصحف الألمانية اهتمت بالأوضاع الإنسانية المزرية التي تعيشها مدينة حلب السورية، وحازت بالخصوص صورة الطفل عمران التي انتشرت في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي على نصيب الأسد من الكتابات والتعليقات.
ونقلت DW عن صحيفة دي فيلت التي تصدر من برلين قولها: “يتابع العالم، المفترض تحضره، المجزرة التي يتعرض لها سكان مدينة حلب. بسبب صور الطفل عمران البالغ من العمر خمس سنوات، الذي انتشل حيا من تحت الأنقاض بعد غارة جوية على الأرجح أنها روسية، فبات عمران وجها لهذه الوحشية الخفية، وجه تتجسد فيه كل أنواع البؤس واليأس الذي تسلل إلى نفوس من تبقى من سكان المدينة التي كانت إلى جانب العاصمة دمشق أحدى أكبر وأهم المدن في سوريا. ورغم كل ذلك لا يُتوقع أن تحرك صورة عمران ضمير العالم أو تجعل بعد كل هذا الوقت المجتمع الدولي يتدخل بقوة”.
وتابعت دي فيلت: “يبدو أن الديمقراطيات الغربية عازمة على ترك شعب بأكمله يُدمر على أن تخاطر بالدخول في مواجهة مع المسؤولين الرئيسيين عن الموت الجماعي ومحور مجرمي الحرب دمشق ـ موسكو ـ طهران.
وزير الخارجية الألمانية فرانك فالتر شتاينماير أوضح قبل عدة أيام في يكاترينبورغ أن إعادة بناء حلب هو مشروع ألماني روسي في إطار التقارب الثقافي، في وقت كانت قنابل بوتين تحول حلب إلى دمار. شتاينماير لم يتنبه لجانب السخرية التي تحملها تصريحاته”.
ومن جهتها، كتبت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” تصف صورة الطفل عمران: “طفل صغير يجلس في سيارة الإسعاف ملطخ وجهه بالدماء وغبار الحطام: أصبح الآن لمعركة حلب الفظيعة التي طال أمدها لسنوات وجه ينظر إلى الكاميرا بشكل جامد وآثار الاضطراب بادية عليه. العالم في حاجة إلى صور رمزية مثل صورة الطفل عمران دقنيش، التي تشرح تعقيدات وخفايا الحروب والأزمات في لحظة واحدة”.
وتابعت “بدون هذه الصور يسهل على المشاهدين إغلاق أعينهم وقلوبهم أمام هذا الرعب اليومي. فمن ينتبه بشكل واع إلى الأخبار المهولة التي تأتي على رأس كل ساعة من سوريا؟ ومن يسمع عن اليمن المنسية والغارقة في الحرب؟ الأخطر من اختزال الصراعات في لحظات رمزية هو كيفية التعامل مع هذه الصور: تتم مشاركة هذه الصور في وسائل التواصل الاجتماعي مع (الأصدقاء والمعارف) لكنها سرعان ما تُنسى في نهاية المطاف بمجرد اختفائها في النصف الثاني غير المرئي من شاشة الكمبيوتر. اما المعاناة في حلب وغيرها من المدن، فتتواصل رغم أن تسونامي التعاطف يواصل الانسياب على شبكة الإنترنت”.
أما على الموقع الإلكتروني لقناة “إن دي إر” التي تبث من هامبورغ، فنقلت DW تعليق أحد الزوار الذي قال: مرت سنة تقريبا على وفاة الطفل السوري أيلان غرقا في البحر المتوسط، حيث انتشرت صورته على نطاق واسع حول العالم. يبدو الأمر، وكأن المحررين كانوا ينتظرون صورة رمزية أخرى للصراع السوري ليعثروا الآن على صورة الطفل عمران. لكن هل يتغير شيء ما هذه المرة؟ هناك صور معبرة لا حصر لها لأطفال وراشدين من سوريا تبدو للمتلقي بنفس الفظاعة، لكنها لم تحظ بأي اهتمام.